يحاول عدد من الساسة ورجال الإعلام العرب أن يجدوا أرضية للحوار مع القوى المتطرفة في البلدان العربية، وهذه القوى التي يسيطر عليها الفكر الأصولي الديني لا تعير اهتماما كثيرا لهذه الطروحات المعتدلة والهادفة لخلق مناخ من التسامح والمودة بين مختلف التيارات الفكرية في مختلف البلدان العربية، وينطلق البعض في طروحاته من أن نتائج الفكر المتطرف وأعمال العنف في البلدان الإسلامية والعربية قد دفعت الأنظمة والنخب للارتماء في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية وتبنى سياساتها، ولا شك أن من يطرح هذه الأفكار، كما ورد في افتتاحية الرأي العام الكويتية يوم الجمعة 23 يناير الجاري لا بد أن يكون متحفظا على فلسفة الانفتاح السياسي والاقتصادي الى درجة ما، أو أنه يحمل عداء مبطنا للولايات المتحدة الأمريكية لسبب أو آخر، لكن القوى الأصولية ليست في وارد الحوار عندما تسفه آراء شيخ الجامع الأزهر بسبب موقفه من قضية منع الحجاب والرموز الدينية في المدارس الفرنسية الحكومية، أو عندما ينطق مرشد الإخوان المسلمين الجديد، مهدي عاكف، مؤيدا أعمال العنف التي تقوم بها فلول النظام البائد في العراق، كذلك لا يجب أن نغفل مواقف القوى المتطرفة في جبهة الإنقاذ الجزائرية ضد المواقف المعتدلة التي يطرحها عباس مدني، أخيرا، بشأن إنجاز عملية السلم في الجزائر·
هذه المواقف وغيرها لابد أن تعني أن إمكانية التواصل بين التيارات المعتدلة وتيارات الإسلام السياسي شبه معدومة ما دامت قوى التطرف تهيمن على قيادات هذه الأخيرة، لا شك أن دعوات المصالحة والتوافق هي دعوات صادقة ومفيدة، حيث إن البلدان العربية عانت كثيرا من صراعات القوى السياسية وتعطلت التنمية السياسية والاقتصادية في هذه البلدان لزمن طويل جاوز نصف القرن، كما أن المجتمعات العربية باتت تعاني من تصلب الشرايين السياسية دون توفر بوادر للتحرر من المواقف المسبقة·
إن ما يزيد من تدهور إمكانات التوافق حول برامج عقلانية هو ارتفاع معدلات الأمية الأبجدية والثقافية في هذه البلدان نتيجة لفشل الأنظمة السياسية الحاكمة في إنجاز المشاريع التنموية، ومن يتابع الأوضاع العراقية الراهنة يكتشف عمق الأزمة في المجتمع العراقي نتيجة لتركيز النظام البائد على إنفاق الأموال على العسكرة والأمن وحماية النظام وفي ذات الوقت تجهيل مختلف فئات المجتمع وإفقادها التواصل مع العالم الخارجي، لذلك فإن اندفاع فئات واسعة من المجتمع العراقي للاحتماء بالمرجعيات الدينية يدل على غياب الوعي المدني وضعف التواصل مع مستجدات الحضارة الإنسانية، يضاف الى ذلك حال العوز والفاقة التي تزيد من ارتفاع درجة الجهل وغياب الوعي الثقافي·
إن من النماذج التي برزت خلال الأسابيع المنصرمة لتؤكد شمولية الفكر الأصولي ما حدث في قاعات مجلس الأمة الكويتي حيث التقى عدد من الأعضاء مع ناشطين سياسيين للاحتجاج على منع الحجاب النسائي في فرنسا عندما تحول الاجتماع الى جلسة تقريع لنساء كويتيات فاضلات ساهمن في تطوير الحياة التعليمية والثقافية في البلاد وأكدن دورهن في صناعة الحياة العامة ولم يتوان عدد من هؤلاء الناشطين وأعضاء مجلس الأمة عن استخدام عبارات جارحة لا يمكن لأي إنسان القبول بها وربما تدفع الى رفع دعاوى قضائية في بلدان أخرى، كيف يمكن لمثل هذه الأطراف أن تلتقي بأطراف سياسية أخرى في البلاد وتتفق معها على برامج الحد الأدنى من أجل إصلاح الحياة السياسية؟ لكن، مع كل ذلك هناك عناصر في التيار الإسلامي تريد أن تفعّل الحوار الديمقراطي وتسعى للتحرر من التقوقع لمختلف الأطراف في المجتمع السياسي، كما أنها تعمل ضد العنف اللفظي وغيره، ولكنها لا تزال تعمل دون أن تحصد تجاوبا داخل تيارها، لا ريب أن المعضلة التي يواجهها الكثيرون في مجتمعاتنا العربية هي عدم التمكن من التخلص من منظومة القيم والأفكار المسبقة التي تعطل الحوار المنطقي والعقلاني·
ومهما يكن من أمر فإن المطلوب هو تحديد القوى والأطراف القادرة على الحوار وأهم من ذلك يجب تحديد قضايا الحوار، وكيف يمكن أن ننطلق نحو آفاق العصر الحديث متحررين من عقد الماضي وتلالبيب التخلف، تلك القضايا تعني التطور الديمقراطي والإصلاح السياسي ورفع درجة المشاركة وتفعيل آليات التنمية، وما أعني بما سبق ذكره أن مجتمعاتنا الخليجية والعربية يجب أن تؤكد الديمقراطية حسب المعايير الإنسانية المتعارف عليها وليس تضبيط الديمقراطية بما يقال بالعادات والتقاليد والأعراف المحلية وهذا يعني إشراك كل فئات المجتمع في عملية صناعة القرار والمشاركة في العمل السياسي، سواء كانوا رجالا أو نساء، كما أن فرص العمل يجب أن تتاح للجميع دون استثناء للمساهمة في تنمية الاقتصاد والحياة الاجتماعية، إن الحوار لابد أن يقر عملية إصلاح التعليم والاقتصاد والتفاعل مع المتغيرات في الحياة الاقتصادية على المستوى العالمي وعدم التوهم بإمكانية إنجاز التنمية المستقلة دون التفاعل مع الآخرين، هذه الشروط للحوار والتواصل بين مختلف القوى الفاعلة في مجتمعاتنا يمكن أن تؤدي الى صياغة برامج تمكن من إنجاز المشروع التنموي·
tameemi@taleea.com |