ظل هذا التغيير دالا على الحقوق السياسية والشخصية لأكثر من قرنين: المساواة أمام القانون، حرية التصرف في ملكه، حرية الرأي والتعبير عنه، حرية العقيدة، حرية الاجتماع العارض “المظاهرات” أو المستقر “الجمعيات” حق انتخاب حكامه في مختلف المستويات·· إلخ، وكان المرجع التاريخي فيه “إعلان حقوق الإنسان والمواطن” الذي أعلنته الثورة الفرنسية، وثار الجدل من حين لآخر بين دعاة حقوق الإنسان بهذا المعنى ودعاة التغيير الاجتماعي، أيكون البدء بالحريات السياسية أم بالإصلاح الاجتماعي؟ وظهر مفهوم “لا حرية لجائع” في مواجهة “حرية السوق” كفيلة بحل القضايا الاجتماعية، وقال أصحاب النظرية الاقتصادية التقليدية “السائدة حتى الآن في الأوساط الأكاديمية الغربية” بما يسمى “مفعول التساقط” أي أن الثراء يتساقط من أيدي الأثرياء الى أيدي الفقراء ببركة السوق واقتصاده، وقد أثبتت الأيام أن ذلك القول سراب إذا أتاه المرء لم يجده شيئا، وطوال العقود التالية للحرب العالمية الثانية شهد “الاقتصاد العالمي” نموا غير مسبوق في حجمه واطراده عبر فترات تراجع محدودة أثرا وأجلا·
ومنذ أكثر من ثلاثة عقود تخلى البنك الدولي “قلعة الفكر التقليدي ومعبد عقيدة السوق” عن مفهوم التساقط وطالب بهجوم مباشر ومتجدد على الفقر للتخفيف من حدته وتخفيض أعداد ضحاياه، وعلى إثر هذا الموقف ظهرت الأبحاث حول قياس الفقر وتحديد خط الفقر ومقارنة نصيب كل شريحة من أصحاب الدخول من الناتج القومي الإجمالي وإبراز اتجاه الثراء نحو التركز لدى أعلى الشرائح والتقلص لدى من هم في أدناها، وطبقت صيغ رياضية للتعبير عن مدى التفاوت، ثم جرت مقارنة بحساب الدخل بمقياس الاستهلاك لأسباب كثيرة منها مثلا الدخول غير المعلنة أو غير المشروعة·
ولكن التجديد الحق تمثل أولا فيما أسماه محررو “تقرير التنمية البشرية” وعلى رأسهم صاحب الفكرة ومنفذ التقارير الأولى الصديق الفقيد محبوب الحق، مفكر من العالم الثالث “ثم مؤشر الحرمان الذي طوره صديق آخر سير ريتشارد جولي لتقدير أشكال الحرمان التي ليست جزءا من الدخل: الحرمان من التعليم، أو من الرعاية الصحية، أو من المكانة الاجتماعية “الفئات المهمشة اجتماعيا لسبب أو لآخر”، وقد أدى إبراز هذه النواحي الى اتجاه دعاة حقوق الإنسان الى ضم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الى الحقوق السياسية، والمرجع عندنا في تحليل ذلك كله هو الصديق الدكتور إبراهيم العيسوى عضو المكتب السياسي لحزبنا، وقد قاد توجه البنك الدولي لمقاومة الفقر الى زيادة قروضه بسهولة في مجال التعليم والصحة، ويسير الاتحاد الأوروبي في الاتجاه نفسه··
ترى هل سيدخل التعليم والصحة في اهتمامات “المجلس القومي لحقوق الإنسان”؟ |