رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 23 رمضان1426 هـ . 26 اكتوبر 2005
العدد 1701

انطباعات مصرية!
عامر ذياب التميمي
tameemi@taleea.com

خلال الزيارات القصيرة لا يستطيع المرء أن يكون انطباعات متعمقة عن البلاد التي يزورها، لكن يمكن أن يتلمس بعض الأمور التي تسعفه في تقييم الأوضاع الى حد ما·· ولقد تمكنت خلال زيارتي الأخيرة الى القاهرة أن ألاحظ بعض المتغيرات التي يمكن أن تكون أساسا لتحولات مستقبلية·· هناك مساحة من الحرية السياسية والإعلامية، ربما تكون أفضل مما كانت عليه الحال قبل عام ومن المؤكد أنها أفضل مما كانت قبل عشر سنوات على سبيل المثال·· هذه الحريات الأساسية التي تأكدت بعد تعديل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية لأول مرة في تاريخ مصر، المعاصر والقديم، تمثل تطورا ضروريا في عملية التنمية السياسية في البلاد وتمكن من طرح القضايا بأسلوب أكثر شفافية وتعزز ملكات النقد لدى المصريين وربما تؤدي الى انتهاج سياسات أكثر فعالية للإصلاح·

لكن هذه التغيرات يجب أن يواكبها نضوج في الشارع السياسي المصري، وخصوصا بين نخبة المثقفين، تتمثل بقدرة على فهم الأمور على أسس عصرية متوافقة مع التحولات التي جرت في المجتمعات الإنسانية المتقدمة· أما ترديد، أو اجترار، الماضي وقيمه التقليدية حسب مختلف المدارس الفكرية المعروفة في مصر، قومية ويسارية وإسلامية، فإن ذلك لن ينفع في عملية التعرف على الحلول الملائمة لمعضلات ومشكلات المصريين والتي تراكمت خلال السنوات والعقود الماضية، لن يكون مفيدا التشبث بطروحات المدرسة الناصرية أو القيم الماركسية أو طروحات إسلامية غير واقعية·· كما أن مناكفة الطروحات الإصلاحية لحجج استيرادها من الغرب دون التمعن بها يعني جمودا فكريا سيؤدي الى تعزيز نزعة التخلف والارتداد عن مسارات التقدم الإنساني·

لقد تطور المجتمع المصري كثيرا باتجاه التحرر من هيمنة البيروقراطية وتعزيز عوامل المبادرة وزيادة فعالية المؤسسات العائدة للقطاع الخاص·· وأصبح في مصر الآن قطاع خاص نشط، وهناك سوق للأوراق المالية يمثل سوقا أو اقتصادا ناشئا يمكن أن يجذب أصحاب رؤوس الأموال لتوظيفها في الأصول المدرجة·· لكن ما زال الاقتصاد محكوما من قبل الدولة حيث إن معظم الأنشطة الرئيسية ما زالت مملوكة من قبل القطاع العام، بما في ذلك البنوك وشركات التأمين وعدد من الفنادق·· من الصحيح أن هناك مؤسسات في هذه القطاعات أصبحت مملوكة بالكامل للقطاع الخاص إلا أن المنشآت الرئيسية تعود ملكيتها للقطاع العام·

ومصر التي تحوي أكثر من سبعين مليونا من البشر تواجه مسألة التنمية في ظل إمكانات اقتصادية محدودة·· لا تزال الموارد الأساسية تعتمد على مداخيل قناة السويس والسياحة والنفط وتحويلات العاملين في الخارج، كذلك هناك مديونية خارجية مهمة لا بد من مواجهة التزامات خدمة الديون على حساب المتطلبات الأساسية للبلاد·· كيف يمكن التوسع في الاستثمار وتوفير فرص الأعمال والعمل من أجل تحسين معدلات النمو الاقتصادي وتحسين المستويات المعيشية؟ لا شك أن الحلول ليست يسيرة لكن اتخاذ القرارات الاستراتيجية يتطلب وعيا بأهمية توسيع دائرة الفاعلين وليس الاقتصار على دور الدولة ولذلك فإن الانفتاح وجذب الاستثمارات الأجنبية يتطلب الخروج من دائرة العقم الإداري المعطلة·

الى جانب ذلك فإن التنمية الإنسانية لا بد أن تكون أساسية، ولقد بذلت الحكومات المصرية المتعاقبة جهودا لمواجهة النمو السكاني غير المنضبط وتمكنت من تخفيض معدل النمو الى ما يقارب 2,5 في المئة سنويا لكن ذلك يستدعي، أيضا، تحسين كفاءة البشر، هذا يعني ضرورة إعادة النظر في النظام التعليمي وتحسين البرامج وتطوير المناهج والاعتماد على العلم والمعرفة والتوقف عن اتباع فلسفة تخريج أعداد كبيرة من المتعلمين دون مراعاة نوعية التعليم الذي يتلقاه الطلاب·· إن هذا النظام التعليمي القائم، مثله مثل التعليم في أي من البلاد العربية الأخرى، لم يعد صالحا لمواكبة متطلبات الاقتصاد الجديد الذي تسعى برامج الإصلاح لتحقيقه·

أهم من كل ما سبق ذكره أن المجتمع السياسي المصري، حكومة ومعارضة، يجب أن يتفهم المتطلبات الواقعية لإنجاز التغيير في مصر، لا يمكن لهؤلاء أن يلوموا الآخرين، أو الأجانب أو الإمبريالية، على المشاكل والمعضلات بل عليهم أن يطوروا خطابهم، أو خطاباتهم، السياسية من أجل مواجهة الاحتياجات الفعلية للمجتمع المصري وكيفية استنهاضه دون التمترس بأيديولوجيات بائسة وغير مقنعة·· أي أن المطلوب من المصريين هو استنهاض العقول لإيجاد الملائم من الحلول·

 

* باحث اقتصادي كويتي

tameemi@taleea.com

�����
   

في ذكرى يوم القدس:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الطغاة.. بين المأساة والمهزلة!!:
سعاد المعجل
فلسطين في يومها العالمي:
عبدالله عيسى الموسوي
لهذا خسرنا الانتخابات الطلابية:
علي حسين العوضي
انتخابات في "أرض الصومال"!!:
د. محمد حسين اليوسفي
صمت القبور!!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
انطباعات مصرية!:
عامر ذياب التميمي
"التنسيق":
مسعود راشد العميري
"المستغلون" قادمون:
صلاح الفضلي
لماذا الإصرار على إذلال المواطن؟!:
عبدالخالق ملا جمعة