عملت في الحكومة الكويتية لفترة تقارب العشر سنوات تقاضيت خلالها ما يزيد عن مئة ألف دينار بشكل رواتب تدفع لي شهريا لأنجز بعض الأعمال الإعلامية وانتهت السنوات العشر واستلمت تلك المبالغ مقسمة على تلك الأشهر وعندما استقلت من العمل الحكومي في عام 2000 سألت نفسي سؤالا مهما حول ما قدمته للحكومة طيلة تلك السنوات؟ فلم أجد جوابا يبرر استلامي لتلك المبالغ الطائلة، فأردفت حيرتي بسؤال آخر حول سبب إبقاء الحكومة لي وسبب تقاضيّ لتلك الرواتب دون مبرر، وكم موظف مشابه يتقاضى رواتب شهرية دون إنتاج يذكر، ولماذا لا يقدم بقية الموظفين على الاستقالة طالما أنهم لا يقدمون أو يؤخرون؟ وما دور القيادات في الوزارات على عدم فاعلية الموظفين والبطالة المقنعة التي يعانون منها؟ وأين المحاسبة الإدارية المرتبطة بالإنجاز؟
يعمل في الإدارة التي كنت أعمل بها ما يقارب من ثلاثين موظفا لا يعمل فعليا منهم سوى ثلاثة ويقضي البقية أوقاتهم في التجول في مجمع الوزارات أو الإفطار أو “التزرق” أو قراءة الجرائد واللعب بالإنترنت، يشكو معظمهم من الفراغ وخاصة السيدات، أما الشباب فهم سعداء بهذه البطالة فهي فرصة لهم للجلوس في مقاهي شارع السور أو التمشي في سوق شرق أو قضاء أعمالهم الخاصة إن كان لديهم شيء يذكر وعندما عملت في مجال الأعمال الحرة تعلمت أن بقاء الموظف في وظيفته مرهون بإنتاجيته وبأدائه لأعماله بحسب توصيفه الوظيفي المناط له وفي حالة عدم نجاحه في مهام عمله أو انتفاء الحاجة لتخصصه أو أعماله فإن إنهاء خدماته هو النتيجة السليمة والمتبعة في كل دول العالم، كما تعلمت أن الأجر يكون بقدر العمل وطبيعته وليس بحسب الدرجة الوظيفية والشهادة، يقول صديق لي وهو موظف في البلدية أن عدد الموظفين الذين نشاهدهم في البلدية هو في الواقع %30 من العدد الفعلي والبقية لا نعلم أين هم فمنهم من هو خارج البلاد بقصد السياحة أو الدراسة أو التهرب من أحكام صادرة بحقهم دون علم الوزارة ومنهم من يتواجد في الوزارة لدقائق معدودة ولا نشاهده بعدها، وتقول زميلة في وزارة المالية أن نواب الخدمات تمكنوا من تعيين مجموعات كبيرة من الموظفين دون أن تتمكن الوزارة من توفير مكاتب يجلسون عليها·
لا أشك أن الهدر المالي الناجم عن البطالة المقنعة للموظفين أو التسيب الإداري لا يقارن بالهدر الذي تعاني منه الدولة في قنوات أخرى، إلا أن “إيقاد شمعه خير من أن نلعن الظلام” ويجب أن تطلق الحكومة برئاسة الشيخ صباح الأحمد المبادرة في تخليص ميزانية الدولة من أعباء الموظفين وإيقاف سياسة التوظيف العشوائية وغير المدروسة وفتح قنوات العمل الأخرى أمام المواطنين والاستفادة من إمكاناتهم بما يعود بالنفع على الدولة·
لقد فقد الموظف الكويتي الحماس والرغبة في العمل لانقطاع الحوافز وافتقاده لسياسة الثواب والعقاب، وعلى أثر هذا انحدر أداء الخدمات الكويتية ووصلت الكويت إلى ما هي عليه الآن من تدهور في جميع المجالات فأعيدوا الحياة للكويتيين وأفسحوا لهم الطريق للعمل “أو قضبوهم الباب”·
almelhem@taleea.com |