| تأتي التفجيرات يوم الخميس 7 يوليو في لندن لتؤكد مرة أخرى بأن المعركة مع الإرهاب ستكون طويلة ومنهكة وعسيرة ودموية·· لكن التفجيرات الأخيرة تؤكد مسألة أخرى وهي أن المسألة لدى الجهة، أو الجهات، التي تقف وراء أعمال العنف والإرهاب ليست سياسية بقدر ما هي عقائدية ومثيرة لقضايا قيمية كثيرة بحيث تدحض هذه الأفعال مقولات الكثير من الكتاب والمحللين في الصحافة الغربية الذين يلومون سياسات بلدانهم·· لم يعد ينطلي على الأذكياء أن الأهداف المدنية السهلة سواء كانت في العراق أو أفغانستان أو لندن أو باريس أو نيويورك أو مدريد ليست أهدافا عسكرية لأنظمة سياسية ستؤدي عمليات تفجيرها الى إضعاف الخصوم أو الأعداء·· إن المقصود هو قتل البشر العاديين الذين لا دور لهم في صياغة أو رسم السياسات التي تتبناها الحكومات في علاقاتها مع البلدان الأخرى، ولا يمكن لهؤلاء أن يحددوا متى تتدخل حكوماتهم عسكريا أو سياسيا خارج الحدود·
كذلك يأتي قتل السفير المصري، إيهاب الشريف، في بغداد ليؤكد عدم التفريق بين العرب وغيرهم في خضم الصراع الدائر في العراق·· كما أن هذا الاغتيال المفجع يؤكد للمثقفين العرب، والمصريين تحديدا، خطأ طروحاتهم في تحليلهم لما يدور في العراق من أعمال عنف وإرهاب·· ليس هناك من مقاومة وطنية تستهدف سواء مصر أو البحرين أو الباكستان وروسيا من أجل إنجاز برنامج وطني يهدف لتحرير العراق من القوات الأجنبية وإقامة نظام وطني·· من قتل السفير المصري لا يهتم كثيرا بهذه الأهداف ولا يملك مثل هذه المنطلقات الوطنية بقدر ما يهدف للانتقام من كل من يسعى لتطبيع الأوضاع في العراق ودعم الاستقرار وتعزيز الوحدة الوطنية وبناء الوشائج المواتية بين مختلف فئات وتيارات الشعب العراقي لإقامة نظام وطني ديمقراطي تعددي·
إذا فإن المعركة مع الإرهاب تستدعي تضافر جهود كل القوى الواعية، مهما كانت منطلقاتها الفكرية، بحيث يمكن التوصل الى قناعات حول آليات المكافحة أمنيا وسياسيا وثقافيا، ولا شك أن مثل هذه المعركة تفرض علينا، كعرب، أن نكون في مقدمة الصفوف من أجل صياغة برنامج الحرب مع الإرهاب ذلك أن الثمن الذي ستدفعه مجتمعاتنا سيظل غالبا إذا لم نتوصل الى وضع حد لهذه الأعمال التي تنبع من أوساطنا وباتت تعطل عملية التنمية وتهدد مستقبل الشباب العربي·· لن تكون المسألة هينة ويسيرة، حيث إن هناك طروحات ومفاهيم لا تزال مستشرية في المجتمعات العربية ولا يمكن تجاوزها ضمن زمن يسير·· وهناك مفاهيم وتفاسير للقيم الدينية يتبناها كثيرون تجعل من عملية الانعتاق من التخلف من أصعب الأمور في الحياة العربية المعاصرة·
مهما يكن من أمر تظل هذه المسؤولية أساسية وتتطلب بالإضافة الى الحذر والحيطة أمنيا الاتجاه بسرعة فائقة ودون تردد في عملية الإصلاح السياسي وتفعيل أعمال التنمية الاقتصادية والاجتماعية·· ولن يفيد الأنظمة الحاكمة في البلدان العربية محاربة الإصلاحيين والمطالبين بالحقوق المشروعة للشعوب وتوفير مناخ من الحرية في الوقت الذي نواجه فيه مخاطر الإرهاب والتعسف الفكري والثقافي من الأطراف المناوئة للحضارة والتقدم· إن ما حدث، ولا يزال يحدث، من أعمال إرهابية حولنا وبعيدا عنا تؤكد أهمية وضع استراتيجية للمستقبل لتوظيف الموارد والإمكانات والفعاليات من أجل بناء يحصن مجتمعاتنا من الاستبداد والتطرف·
tameemi@taleea.com |
