رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 26 رجب 1426هـ - 31 أغسطس 2005
العدد 1693

الهندسة المجتمعية!
عامر ذياب التميمي
tameemi@taleea.com

في إطار الجهود المبذولة لوضع دستور دائم للعراق تثار ملاحظات وتحفظات حول النصوص الواردة في مسودة الدستور العتيد من قبل أطراف في المجتمع العراقي··· إن تلك الملاحظات والتحفظات حول الفيدرالية كأساس لإدارة الدولة أو بشأن دور الدين في الحياة السياسية ما هي إلا نتاج للتطور السياسي في العراق خلال السنوات والعقود الماضية·· لقد تأسس العراق الحديث في مطلع العشرينات وبعد نهاية الحكم العثماني على قيم المركزية السلطوية ولم يترك للأقاليم، بالرغم من تنوعها الأثني والثقافي، أي دور أساسي في تكوين السلطة·· وعندما حدث انقلاب 14 يوليو 1958 لم يكن هناك من ضرورة للتحكم في الأقاليم أو الألوية بقدر ما كان مهما التحكم في مراكز الحكم في بغداد، وكذلك كان أمر كل الانقلابات اللاحقة·· وكما هو معلوم، الآن، فقد كان للمؤسسة العسكرية دور أساسي في الهيمنة على السلطة وبلورة قيمها السياسية والفكرية، وقد تمكن العسكريون من ذوي الاتجاهات القومية العربية أن يشكلوا القيم السياسية التي تحكمت في البلاد، خاصة بعد انقلاب فبراير 1963، وللأسف فإن الاتجاهات القومية التي سادت كانت متشجنة ومعادية للتسامح مع القوميات والفئات العراقية الأخرى التي كانت تطمح لتأسيس نظام ديمقراطي تعددي·

إن من المؤكد أن أكراد العراق عانوا كثيرا من تلك النزعات المتطرفة قوميا ودفعوا ثمنا غاليا في نضالهم من أجل حق تقرير المصير أو، على الأقل، الحصول على حقوق مشروعة في تكوين منطقة كيان ذاتي في محافظاتهم الشمالية أو التعبير بلغتهم في تلك المناطق والتحكم في إدارة تلك المناطق والاستفادة بعدالة من ثرواتهم، بما فيها الثروة النفطية·· وعندما تفاوض الأكراد بزعامة المرحوم مصطفى البرزاني وتوصلوا مع حكومة حزب البعث في عام 1970 لصيغة للحكم الذاتي لم تتمكن تلك الحكومة من استيعاب ذلك الاتفاق التاريخي وتنصلت منه وعمدت للوسائل القسرية لفرض إرادتها عليهم مما أدخل المناطق الشمالية في صراع طويل· إذا فإن هؤلاء الأكراد الذين تمكنوا عام 1991، وبعد الانتفاضة التي تلت تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، من تأسيس حكم ذاتي حقيقي واستقلوا عن حكم صدام حسين لن يتهاونوا مع أي نظام مركزي يعيدهم للهيمنة القسرية لبغداد ودون مراعاة لمطالبهم القومية وحقوقهم المشروعة في تقاسم الثروة واحترام ثقافتهم ولغتهم·

ويبدو أن فئات المجتمع العراقي، وبالتأكيد الأغلبية العربية في الجنوب والوسط والغرب، قد استوعبت الدرس وهي تعلم بأنها لا تستطيع أن تنكر حق هؤلاء الأكراد في كيان ذاتي يكون أساسا لنظام فيدرالي متوافق عليه·· لكن هذه الفئات باتت تختلف فيما بينها حول كيفية إدارة أقاليمها أو محافظاتها، أو كيف تكون طريقة حكم مناطق الجنوب والوسط والغرب، هل يكون على أسس الفيدرالية أو على أساس النظام المركزي·· هناك مخاوف من أن تكون الفيدرالية في الجنوب أساسا لضعف الدولة العراقية وهيمنة القوى الإقليمية، وبالذات إيران، على الإدارات اللامركزية وتوسيع نفوذها على حساب المصالح الوطنية العراقية··· قد تكون هذه المخاوف مشروعة الى حد ما خصوصا أن هناك ما يفيد بسيطرة ميليشيات مرتبطة بأحزاب ذات توجهات دينية أو طائفية على مناطق في الجنوب مثل البصرة وإصرارها على تطبيق أنظمة وتقاليد شبيهة بما كان يطبق في المدن الإيرانية في بداية الثورة الإيرانية في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي·

لكن المعضلة الأساسية في الوضع العراقي هي كيف يمكن تفادي هذه التطورات المقلقة والتي تتحدى التقاليد العراقية التقليدية سياسيا واجتماعيا وفي ذات الوقت ضمان تمتع أبناء الجنوب وغيره من أقاليم أو محافظات بحقوق اقتصادية وسياسية متوازنة، ودون هيمنة المركز بتعسف على مقدراتهم وثرواتهم·· إن ما هو مطلوب في العراق في هذا المنعطف التاريخي هو تمكن القوى السياسية والقيادات من إنجاز هندسة مجتمعية واعية تضمن تطوراً سياسياً واقتصادياً يمكن العراقيين من ممارسة حقوقهم بحرية دون سلطة دينية أو تعسف قومي أو طائفي، وفي ذات الوقت توزيع عادل لمردود الثروة النفطية أو غيرها من ثروات على كل المحافظات دون تمييز·· ولا شك أن ما هو مطلوب هو إعادة بناء المجتمع العراقي من خلال أنظمة التعليم ووسائط الإعلام لكي يتأسس على مفاهيم حضارية متوافقة مع العصر الحديث تبتعد عن كل القيم التي سادت في ظل أنظمة الحكم السابقة، وخصوصا نظام البعث الذي ساد لأكثر من ثلاثة عقود·

لقد مر العراق بفترات من الحكم أدت به للانقطاع عن التطورات السياسية والاقتصادية في العالم نتيجة للديكتاتورية وانسداد التواصل مع العالم ومفاهيم الحكم الديمقراطية·· ولذلك فإن المرء لا يستغرب عندما يرى بين فينة وأخرى خروج جماهير غوغائية تحمل السلاح أو تريد حل مشاكلها من خلال الاحتكام للمعارك المسلحة ذلك أن ثقافة القمع وعسكرة المجتمع قد أوجدتا تشوهات مهمة في ذلك المجتمع·· وإذا كان هناك من سبيل لحل النزاعات وتأسيس علاقات بين مختلف الأطراف على أسس خلاقة وبناءة فإن ذلك يعتمد على أنظمة التعليم والخطاب الذي ستتبناه القوى السياسية الفاعلة·· ومهما يكن من أمر فإن مشروع الدستور الدائم والصبر في المفاوضات بين الأطراف العراقية المختلفة اللذين اتضح خلال الأسابيع والأيام الماضية، يؤكدان بأن هناك إمكانية لبناء عراق جديد على أسس حضارية·

* باحث اقتصادي كويتي

 tameemi@taleea.com

�����
   

إرهاب بصره.. حديد!:
أحمد حسين
وللعراق دستوره:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الهندسة المجتمعية!:
عامر ذياب التميمي
العراق الشقيق في خطر محتدم:
محمد بو شهري
الطويل....بين المطرقة والسندان!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الدستور الأمريكي:
د. محمد حسين اليوسفي
سمعة الوكالة:
عبدالخالق ملا جمعة
"دلال" القطاع الخاص:
ناصر بدر العيدان
شهالحچي يالطبطبائى:
على محمود خاجه
التعويض!!:
عبدالله عيسى الموسوي
صنع في الكويت... خطوة ناجحة في درب الاقتصاد الناجح:
محمد ناصر المشعل
لبس الفرو مقلوبا:
فيصل عبدالله عبدالنبي
زيادة في الأسعار وغش في الإعلان:
المحامي نايف بدر العتيبي