لو التفتنا قليلا الى الساحة السياسية في الكويت لوجدنا أن المجتمع بجميع فئاته وتوجهاته وقواه أيا كانت صبغة هذه التوجهات، مدنية أو سياسية أو اجتماعية أو نحوها صارت تتعاطى مع السياسة الى حد بالغ، حتى غدا كل شيء في الكويت منغمسا في السياسة، بل لا تخلو أي شريحة مطلقا من الانغماس في السياسة وأراجيفها، فأصبح مجتمعنا يفطر على السياسة ويتغدى على السياسة ويتحرك بالسياسة وعليها، ولعل السبب في ذلك يرجع الى عوامل كثيرة منها أن البلاد وفقا لتاريخها الاجتماعي والاقتصادي لم تستطع أن تنشىء مجتمعا مدنيا تسوده هياكل ومنظمات وهيئات مدنية تضطلع في وظائفها وتسير الى أهدافها، ولهذا نجد أن الأمور قد اختلطت والأشياء قد سيست، فمثلا نجد أن الهيئات الاجتماعية والخدمية وذات النفع العام، بدلا من أن تمارس أنشطة هي من طبيعتها وأهداف نشوئها نجدها تمارس وظيفة سياسية أبعد ما تكون عن فلسفتها·
وهذا ما دفع الى اختلاط الأمور وعدم ترسيخ قواعد وأساليب الأنظمة الديمقراطية في مجتمع ودولة كالكويت، ونود أن نشير الى خطورة ظاهرة تسييس كل شيء، إذ إنه لا يخفى على العارفين أن هذه الظاهرة وتفاقمها تجر البلاد الى الجمود وركود الأوضاع، والدفع باتجاه تكريس الظواهر السلبية التي تسود المجتمع كالتخبط الإداري وتفشي ظواهر السرقة والرشاوى والتبعية لأحزاب سياسية الى جانب ضياع معايير الكفاءة والحياد، وسائر الحقوق الأخرى، فمن الأمثلة نأخذ الرياضة بعد أن صبغت بالصبغة السياسية وصارت حقلا للصراع السياسي والحزبي، انظر ما جرى للرياضة اليوم من تدهور، وانظر الى أوضاع الجمعيات التعاونية وما ألحق بها من فساد وسوء إدارة وسرقات ورشاوى، وكذلك القطاع الطلابي فبعد أن كان المجتمع الطلابي الكويتي نموذجا في التحصيل العلمي والمثابرة والكفاءة، أمسى مجتمعا فقيرا بل معدوما من الجهات التحصيلية والثقافية، وما ذاك إلا ثمرة من ثمرات التسييس· إن وظيفة الطالب الأساسية ليس الزج به في مجالات السياسة، بل وظيفته تنحصر في التحصيل وبناء مستقبله· والدليل على ما نقوله انظر الى الأجيال الحديثة المتخرجة من الجامعة هي قمة في الرداءة الثقافية ولا يتمتعون بعمق ثقافي ورصانة·
لذا يجب علينا أن نبعد الهيئات المدنية والاجتماعية عن الأحزاب والجماعات السياسية·
لندع السياسة للساسة حتى نستطيع أن نخلق مجتمعا متوازنا يعمه الوفاق والاستقرار·
- نبارك للدكتور أنس الرشيد وزيرا للإعلام·
ali_gh93@hotmail.com |