إن البعض ممن ليسوا لهم قدم راسخ في الفقه والشريعة وأحكامها فضلا عن التاريخ السياسي والاجتماعي للدولة الإسلامية لا يروقهم القول إن العلمانية كمبدأ وكقيمة مجتمعة وحضارية هي بطبيعتها محايدة لا توصف بالكفر أو الإيمان بالفضيلة أو بالرذيلة، بل إن الاستقرار للتاريخ البشري، وما يزدحم به من حوادث وطوارئ وحركات ومذاهب ليدلل، بلا ريب، على أن الإنسانية ومنذ وقت مبكر كانت تجاهد وتصارع من أجل تكريس هذه القيمة - أي العلمانية - وما ذلك إلا من أجل الحفاظ على هيبة الأديان وقدسيتها من أن تزجى في مجالات السياسة والتي من أبرز سماتها الدس والدجل والتلاعب والافتراء، فمتى سقنا الأديان الى السياسة فقد لوثنا الدين وانتقصنا من مكانته في الضمائر والنفوس، هذا الى جانب أن الأديان أعظم وأسمى من أن يحتويها حزب أو تيار ويصطبغ بصبغتها، فالإنسان والدولة والمجتمع والاقتصاد والأحزاب وسائر القوى جميعا هي في خدمة الدين ومن الجهل وضحالة المعرفة أن يزعم البعض بأن السياسة التي أردناها، كما يدعي أصحاب التيارات الإسلامية السياسية، هي السياسة القائمة على المبادئ التي أرساها الدين الإسلامي وهي المبادئ التي لم تمارسها الدول الإسلامية منذ سقوط الخلافة الراشدة، وتحول الدولة الى الملك العضوض لم تمارس يوما السياسة وفق المبادئ الدينية وحسبك بلمحة خاطفة الى تاريخ الأمويين والعباسيين والفاطميين والمماليك والأتراك والصقوبيين والانشاريين والقاجاريين في فارس وما يليها فهذه الدول جميعا لم تمارس يوما سياسة البلاد والعباد وفق منظور الشريعة ومبادئ الدين ويكفيك في هذا الصدد أن أهم مبدأ يحكم النظام السياسي في الإسلام هو مبدأ الشورى لم يؤخذ به ولم تقم الدول الإسلامية على أساسه وهو الحد المميز للنظام السياسي في الإسلام عن بقية الأنظمة·
ali_gh93@hotmail.com |