إن اختلاف المجتمعات وطبائعها واختلاف نمط الطلائع التنويرية، ودرجة حيوية المجتمع وقابليته واستجابته لهذه المفاهيم والرؤى الى جانب ما يتلقاه المجتمع من المجتمعات الأخرى ولاسيما في عصرنا هذا الذي شهد ثورة معلوماتية واتصالية مذهلة مست الكثير من المفاهيم السياسية الكلاسيكية كمفاهيم السيادة والحقوق والحريات والدولة القومية والأمن ونحو ذلك،؟؟ وعلى أية حال فقد كان وراء تبني مشروع الديمقراطية الدستورية في الكويت لدى النخبة الحاكمة عوامل عدة تحكمه فرضتها حقائق الجغرافيا والسياسة، وطبيعة المرحلة إبان عهد الاستقلال ومنازعة الكويت على سيادتها واستقلالها من جار السوء العراق آنذاك، فضلا عن أن ثمة تاريخ سياسي تمخضت عنه الكثير من الأفكار السياسية تدعمها حركة اجتماعية مؤثرة الى حد ما في المطالبة بالديمقراطية والإلحاح عليها وبناء الدولة الدستورية، ولم تكن السلطة والدوائر التي تدور في فلكها، والرأسمالية الوطنية المتنفعة والتي اتسع ثراؤها مع تزايد الوكالات والمناقصات والامتيازات عليها، لم تكن تؤمن قط بالمبدأ الديمقراطي، وهذا من جملة الأسباب التي أدت الى انتكاس الحركة الديمقراطية في العقود الماضية، وقد التقت الإرادة الخارجية مع الإرادة الداخلية ولاسيما بعد الغزو الغاشم وما أنتجه من شوائب وسلبيات، كل هذه العوامل مجتمعة أسهمت بشكل بالغ في تأهيل المبدأ الديمقراطي الدستوري، ولا نريد أن نسترسل في تاريخ الديمقراطية في الكويت·
إن ما مرت به التجربة الدستورية في الكويت من مد وجزر وانتكاس وانتصاب لم يتأتَ لتجربتنا أن تتأصل بالنحو المطلوب ذلك أن الديمقراطية الحقة تفتقر كيما تتكرس الى سلسلة من العوامل من أهمها: أن يفطن الشعب وقواه الاجتماعية الى حقوقهم، وأن تتوافر نخبة ثقافية تقوده الى هذه الحقوق، الى جانب خلفية تاريخية تمد وتغذي هذه المطالب وتثريها، أضف الى ذلك قدرة القوى الاجتماعية أن تنظم نفسها وتحشد طاقاتها لتضع رأيا عاما ضاغطا على أصحاب القرار ومن في سدة الحكم، لهذا نجد أن ديمقراطيتنا شائهة ومبتورة وبطيئة الأداء وقليلة الثمر بل ومردودها في الأغلب الجمود والسلبية ذلك أن الديمقراطية لا تنهض إلا بمؤسسات رديفة ينتسب إليها المواطنون، وهذه هي الآفة الكبرى والنقيصة العظمى في تجربتنا لافتقارها الكبير الى مجتمع مدني ومؤسسي يوازي المجتمع الرسمي (الحكومة ومؤسساتها)·
ali_gh93@hotmail.com |