عندما تقرأ عن الاضطهاد الطفولي تعرف بأن الشخص المضطهد طفوليا هو مرشح لممارسة الاضطهاد مع أطفاله ومع كل من لديه سلطة عليهم إذا لم يعالج نفسه ويدرك مشكلته، فالسؤال ماذا لو أن هذا الشخص ترأس حزبا أو كان في منصب وزاري رفيع أو صاحب قرار، ماذا ستنتج نفسيته لنا؟ لاحظ أن الأقليات المضطهدة عندما تمسك زمام الأمور لا تستبعد ممارستها لاضطهاد الآخرين، أو أغلبية مضطهدة من أقلية وتأتي للحكم، فكيف سوف تتصرف مع الأقلية هل بالاضطهاد نفسه أم تعالج المشكلة كما فعل مانديلا في جنوب أفريقيا مع البيض؟ بالعالم العربي يتنوع الاضطهاد ويأخذ مسميات مختلفة في مجالات عدة للحياة·
لقد دخلت في أحد الأحزاب الصغيرة عندما كنت في سن 17 سنة في عام 1995 وكان هدفهم هو نشر الفضيلة والأخلاق بالمجتمع وكنت معجبا برئيس الحزب الذي يترأسه أكثر من 15 سنة، وكنت أقول لنفسي لو أن الحكومة تجعله رئيسا للوزراء لجعل الكويت جنة ونموذجا للعدالة، ولكن ما إن كبرت أكثر ووعيت الأمور حمدت الله أن هذا الشخص لم يتعد وظيفة سكرتير في إحدى الوزارات، إذ لو كان رئيسا للحكومة لوجدت المشانق بالشوارع والتسفير والتهجير لكل من يعارضه، فلقد كان يطرد كل من يعارض رأيه ويضرب كل مبادئ الأخلاق وحرية الرأي عرض الحائط فهو لا يأبه بها لأنه لم يقتنع بها يوما ولكنه يسردها في محاضراته تماشيا مع الجو الديمقراطي في البلد كما يفعل كثير من الأحزاب، فهو يطرد العضو صاحب الرأي الحر بحجة أنه مريض نفسيا أو أنه مغرور أو أنه ليس متدينا أو أنه يحب الرئاسة والظهور أو لديه آراء تخالف الشريعة أو أنه يخوض بالسياسة ونحن أهدافنا أخلاقية واجتماعية بعيدة عن السياسة وألاعيبها!· فالآن فقط عرفت بعد تحليل شخصية هذا القائد الورقي والتعرف على أصدقائه في الصغر وما سردوه لي عن استبداده، أنه رجل لديه مشاكل نفسية كثيرة تجعله يضطهد كل من عارضه بالرأي، ويتصور أن الكل مرضى نفسيون ولا يأبه بظلم هذا وذاك فهو يخبئ مشاكله النفسية وراء ستار التدين، والحمد لله أن حزبه منذ سنوات انهار ولم يبق لديه شيء سوى جلوسه وحيدا في ديوانه ينتظر من يزوره ليشرب معه فنجان قهوة، فهذه النتيجة الطبيعية لكل جماعة أو حزب يقوده مستبد، فمن استبد برأيه هلك، فكرت كثيرا كم من هولاء أصحاب المشاكل النفسية والاضطهاد الطفولي الذين لم يعالجوا أنفسهم يترأسون الآن أحزابا أو مناصب قيادية، البعض يتصور أن الشخص المظلوم طوال حياته لو مسك زمام الأمور سيكون عادلا! فهل نسينا أنه تبرمج على الاضطهاد؟ فكيف نتوقع منه العدالة؟ العدالة تأتي ممن تربى على العدالة، والأخلاق تأتي ممن تربى على الأخلاق، عرفت شخصا كان قياديا في إحدى الأحزاب فانسحب منه لعدم نصرتهم للمظلومين وللعدالة والحق ووقوفهم مع الباطل، فهو انسحب منهم لأنه تربى على الحرية والعدالة فنفسيته لا تقبل مجاملة الباطل، بعكس كثيرين هم مستعدون للبقاء في أحزاب وجماعات يعرفون أنها على باطل ولا ينصرون الحق والعدالة ولكن هؤلاء تربوا على الخضوع وعلى حب المصالح، فليفكر كثير من الشباب المنتسبين لجماعات وأحزاب وخاصة التي ترتدي غطاء التدين وليدققوا بممارسات من نصبوا أنفسهم قادة عليهم دون انتخاب بل كحق مكتسب بحجة (نحن من أسسنا الحزب، والقيادة حق مكتسب لنا ولجهودنا)، هل هؤلاء لن يمارسوا معكم الاضطهاد ويطردوكم في أي وقت لو اختلفتم معهم ومن ثم تصبحون ناديمين على سنوات شبابكم التي ضاعت هباء منثورا وكنتم تستطيعون أن تحققوا كثيرا من الإنجازات لأنفسكم ولوطنكم وتتركوا بصمة إيجابية في تاريخكم لو أنكم كنتم مستقلين أحرارا·
machaki@taleea.com |