إن الحياة الراهنة في جملتها لا تنتهي من المخاوف المرضية التي تستحوذ على أرجائها الخوف من السلطة سياسية كانت أم اجتماعية أم ثقافية، والخوف من الآخر والآخر هنا هو الغرب، أو أوروبا أو أمريكا إنه باختصار الخوف من كل شيء إن الفرد في العالم العربي يبدو أنه قد امتلأ خوفا ومارسه في نطاق أسرته وبالتحديد الأب، وخضع له في كل علاقة مع كل سلطة وقد يكون لهذا الخوف جذوره وخلفياته ومبرراته التاريخية والحضارية، من جهة خبرات تجربة التعامل مع السلطة بجميع أشكالها من الأب الى الدولة، وقد تحول هذا الخوف الى جزء من الثقافة السائدة في البلدان العربية وأثرها على السلوك الفردي والجمعي، ويظهر ذلك بوضوح في الخطاب السياسي العربي بكل أطروحاته وأيديولوجيات المحافظة التي تنزع الى الماضي كالحركات الدينية ونحوها التي تعبر عن هذا الخوف على وجه صريح، أما الأيديولوجيات التي توصف بالتقدمية والثورية، فرغم أنها تقوى بالحركة والتغيير إلا أنها تمارس الخوف نفسه وبالتالي الجمود والسكون والسلبية المحبب للخائفين، وهنا يتساوى المحافظون والتقدميون والرجعيون والثوريون في الممارسة وإن اختلف التنظير فمن الطبيعي أن يكون لمثل هذه الظاهرة جذور اجتماعية وتاريخية، فضلا عن الأسباب السياسية والاقتصادية غير أنه من الملاحظ أن القاسم المشترك بين أفراد ومؤسسات وفئات وطبقات وسلطات كل أقطار المنطقة العربية هو ذلك الخوف الدفين من كل شيء، والذي يترك آثاره وتبعاته على السلوك والمواقف السياسية وغير السياسية·
لاحظ ذلك التخبط واللاعقلانية اللذين نشاهدهما حينما نتحدث عن الغرب وأمريكا والنظام الدولي أو أي شيء يمكن وضعه في خانة الآخر، نحن خائفون من هذا الآخر - عندما يتحرك - ونحن نخافه حين لا يتحرك، نشعر تجاهه بالشك حين يفعل ونشعر الشعور نفسه حين لا يفعل إنه الآخر ذلك المجهول الذي لا ندرك وذلك الشيطان الذي لا نتوقع منه إلا شرا·
إن تبني وجهة نظر معينة لا يعني نفي وجهة النظر الأخرى ولكن الذي يجب رفضه قاطعا هو الكلام الفارغ الذي لا يعرف سوى "الجعجعة، ورفع الشعارات والمزايدات وغير ذلك من الهراء·
إن حال العرب اليوم في أهون أحوالهم إذ إنهم على كثرتهم وكثرة مواردهم، وامتداد جغرافيتهم مجرد كم لا كيف فيه، وكتلة صماء لا حياة فيها ولا إرادة، إن النظام العالمي الجديد الذي نعيشه لن يسمح بأي حال بمحو دولة معترف بها حتى على الخريطة السياسية، ليس لأن العالم يتآمر علينا كما يزعم الإسلاميون والماركسيون والقوميون، بل لأن هذا النظام العالمي له قوانينه وآلياته التي يجري وفقا لها، وليس علينا - والحال كذلك - إذا أردنا الحياة والنجاح إلا العمل وفق الممكن بما يكفل لنا تحقيق النتائج·
|