من المحال أن ينقاد أي مجتمع وقواه ومؤسساته بغير القمع والإرهاب والسجون والمعتقلات الى الحاكم ذي السلطة الغاشمة، ولو رأينا تلك الحشود الشعبية الهائلة التي خرجت لاستقبال صاحب السمو حفظه الله وولي عهده عافاه الله هي بلا ريب دلالة بالغة تنبئ عن طبيعة التركيب الوجداني والسياسي لمجموع الشعب، ولها دلالة أخرى غير خفية تدلل على طبيعة تكوين السلطة في البلاد، بل تشير الى نشأة السلطة قبل ثلاثة قرون إذ من المعلوم بالبداهة أن السلطة في الكويت لم تجىء الى سدة الحكم بالعنف والقسر والإكراه·· بل اجتمع الكويتيون يومذاك وسلموا زمام إدارة البلاد والمجتمع الى "صباح الأول" والانطلاقة الأولى في بناء الدولة لما وجدوا فيه من الحنكة والدراية ورصانة العقل ونشأت الكويت على أساس مبدأ العقد الاجتماعي وهو جوهر ولب المشروعية التي تستند الى الشعب ولم تكن مقننة ومنظمة بسبب بساطة المجتمع وضآلة سكانه، والمجتمع كان في أطوار نموه الأولى، ومع الاتساع وتزايد مكانه، وبعد عديد من التجارب السياسية والاجتماعية والتي كان مغزاها ينبئ عن نضج سياسي وتنامي القوى الاجتماعية المدنية ووعيها لحقوقها وواجباتها، بسبب انفتاحها على الأمم والحضارات بفعل التجارة والحركة البحرية الناشطة داخل البلاد، ومع دخول حقبة الأربعينات والخمسينات جاءت الوفود الطلابية من المراكز الحضارية وهي تحمل مناهج وأنساقا فكرية هي نتاج التفاعل والاحتكاك بين هذه المجتمعات، ونجم عن ذلك خصوبة ومرونة وثراء في الفكر السياسي، ولأسباب سياسية سيادية جاءت في سياق توازي النمو السياسي والمجتمعي في البلاد ليتمخض عنها نتاج تبلورت معالمه وأركانه وغاياته بالدستور وما ينطوي عليه من مفاهيم راقية ترسخ مفهوم المواطنة والحقوق السياسية والمدنية وتوزيع السلطات وتقنينها فضلا عن إضفاء صفة المشروعية الدستورية على العقد آنف الذكرولهذا دخل المجتمع في أطوار النفاق الاجتماعي ولأسباب كثيرة لا يسعنا المقام لذكرها تكرست مبادئ المشروعية الدستورية والديمقراطية حتى أسست واقعا قائما لا يجترىء أحد على مصادرته وإلغائه مع العلم بأن هناك من يريد إلغاءه والتخلص منه!! فالدلالات السياسية والسيكلوجية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك على مشروعية السلطة، ومشروعية مؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية، وما ينبثق عنها من ممارسات مهما بلغت من الحدة والخصومة تظل في إطار المشروعية الدستورية وهذه هي الغاية في الوفاق الاجتماعي والتسالم السياسي، وهذا ولا ريب أكبر المقومات في تنمية المجتمع ودفعه الى التقدم والتوهج والازدهار، هذا ما أردت أن أقوله مع عودة سمو الأمير حفظه الله ورعاه ولم أكن متواجدا في البلاد ونحن ننتظر عودة ولي العهد حفظه الله الى أرض الوطن ونستقبله بالورود والمحبة، ويحفظ الله الكويت من شر الفتن والأمواج المتلاطمة ومن فتنة التطرف والإرهاب والطائفية والحقد والحسد وسراق المال العام·