يذهب البعض الى أن الحروب ضرب من العدوانية تمتاز بها الدول والمجتمعات وآحاد الناس، وليست الحروب إلا لإفراغ تلك الطاقة العدوانية التي تكمن في أعمق حشايا النفس البشرية، وذهب البعض أيضا الى أن الحروب ستتعطل ويعم السلام أرجاء العالم لأن الإنسان يسير الى التمدن وعلى منهاج التربية وأصولها التي ترمي الي تهذيب الشعور وتعميق الحس، وتنقية الأخلاق من أوشابها، والعمل بالقوانين الدولية التي اشترعها أصحابها لمصلحة الإنسانية وسعادتها وبتطبيقها ترتفع الحروب وتحلق حمائم السلام، ونحن نذهب الى خلاف ذلك وإنه ما دام هناك إنسان فهناك نوازع خير ونوازع شر، وهناك عدل وجور وما دام الشر موجودا فهنالك حروب تختلف الى حد ما في أشكالها ومظاهرها، فبعد أن كانت الحروب بالمباشرة، أصبحت حروبا على أصعدة شتى، فحرب بالوكالة، وحرب اقتصادية وحرب سياسية، وحرب لإغراء وسرقة العقول والمواهب، وحرب فكرية وهي من أفتك الحروب وأمضاها وهي محاولة تسميم عقول الناشئة والسذج بلون من الفكر يهدف في أبعد أغراضه الى مسخ الهوية واستئصال الجذور من الوطن والعقائد الحقة والقضية التي يؤمن بها أهلها، وأيضا ليست العبرة والمعول بتشريع الشرائع وتقنين القوانين بحسب مصالح الشعوب وبحسب أسس العدل والحق والقصاص، بل العبرة بتنفيذها والعمل على أساسها، أوليست إسرائيل تحتج وتستند وتتشبث في الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومختلف المحافل الدولية ببنود القانون الدولي وأصوله؟! والقانون الدولي ما هو إلا أضحوكة وأكذوبة كبرى من اصطناع القوى الكبرى إذ عندما يكون في مصلحتها ترفع عقيرتها محتجة به، موسعة في تفاصيله، إما إذا كان يزجرها ويوبخها فهناك ألف أسلوب وأسلوب، فأنعم به من قانون دولي قد هتك عرضه ولتقر أعين شعوب العالم الثالث في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية·
أما التقدم بأساليب التربية التي من شأنها تهذيب الشعور والعمل على تنقية الأخلاق والشهوات - فهذا صحيح إذا استخدمت في موضعها، ولكن كل هذه الأساليب تستخدم واستخدمت لأغراض سياسية رخيصة، الهدف منها بسط النفوذ، واستلاب حقوق الشعوب المنكوبة، زد على ذلك أنه بذلك اتسعت آفاق الحنث والمواربة والاحتيال باستخدام هذه الأمور والاستعانة بها·
نعم ليس هنالك سلام دائم يعم أطراف الدنيا، اللهم إلا إذا كانت أقوى الأمم وأفتكها وأرسخها علما وتقنية وعقولا تتبنى شريعة القيم وتنبثق أفاعيلها بموجبها، فتفرضه على سائر الأمم فتنساق الأمم الى ذلك رهبة منها أو طمعا، وهنا يحسن فقط استخدام القوة والسلطان في فرض السلام وتحقيقه، يومئذ يصبح السلام أغنية عذبة تتغنى بها شفاه الزمن، ولكن يبدو أن كل هذا محض طيف قد اقتحم رؤوسنا في إغفاءة من الزمن·
وفي رسالة الى مجلس الأمة إذ نبارك له على إنجازاته في تلك الفترة القليلة "آخر ثلاثة أشهر" فإننا نرجو أن يحقق ما يطلبه المواطن من أمور هو أحوج إليها وما يطلبه الوطن لرفع مكانة وطننا لدى المحافل الدولية·
ali_gh93@hotmail.com |