إن اللغة السياسية التي لا تعرف الحقائق المطلقة تعول على الحلول الوسطى والملاءمة السياسية ورصد المصالح والأهداف والسعي إليها مهما كانت الوسيلة أو الأسلوب، وإننا بحاجة الى حشود هائلة من الأنصار والأصدقاء، وعلينا أن نتحمل الكثير من الأعباء والجهود على كل صعيد لحماية سيادتنا ودولتنا وهذا يقتضينا أن نتحرك من الجهات الأربع لنقيم العلاقات مع كل بلد أو أمة أو حزب أو تيار يتاح لنا بناء شبكة هائلة من الأصدقاء والحلفاء أيا كانت درجة هذا الحلف وذاك الصديق لنسخرها بما نحفظ أمننا واستقلالنا، ولا نكتفي بسقوط الطاغية وأن لا خطر علينا ونحن في أمان وأمن وإن الحال لا تدوم، ونحن دولة صغيرة ولا ينبغي أن يتحول الخصم الى صديق مئة في المئة وحسبنا ما يخرج منه من سلوك إيجابي وبوادر حسنة لنستعين بها في تكريس أوضاعنا وحماية استقلالنا، فلم تكن السياسة في يوم من الأيام قائمة على المزاجية والارتجال واستنطاق العواطف والاسترسال معها وبناء النتائج وفقا لها، وقديما قيل "إن السياسة سلوك بلا قلب"·
المجتمع العربي والإسلامي بجميع فئاته وتوجهاته ما زال اليوم مستغرقا في النوم وقد تعطلت على إثره حواسه ومداركه، إذ إننا لو استقرأنا المفاهيم والرؤى والفلسفات وطبيعة أنماط التفكير وأسلوب إدارة الأشياء والأشخاص لوجدنا أن هذه المفاهيم والبواعث منبعثة من أعمق أعماق التاريخ، ونريد بذاك الماضي بما يمثله من سلبيات وإيجابيات وعثرات، إن الذي يجعلنا اليوم في ذيل الحضارة المعاصرة هو طبيعة المفاهيم والأصول التي تحكم تفكيرنا وتهيمن على مجمل سلوكنا، فالماضي هو الذي يتحكم في المستقبل والظن هو الذي يتحكم باليقين والأموات هم الذين يتحكمون بالأحياء وهذه للحق آفاتنا ولا نريد مما تقدم التنكر لحضارتنا وتاريخنا بما يشكل عليه من أمجاد وفتوحات علمية وفكرية، وما أرساه السلف من عطاء حضاري وعلمي ضخم، غير أن البداهة تقتضي أن اليوم غير الأمس وأن الإنسان اليوم غير الإنسان الأمس، وأن كل ما يحيط بالإنسان من أمور مادية ومعنوية هو دوما في أطوار التغير والتطور، فكل المفاهيم أيا كانت هذه المفاهيم هي تطور مطرد كمفهوم الحرية ومفهوم الإنسان، ومفهوم الديمقراطية، وقد تشعب مفهوم الحرية وتطور بتطور الإنسان نفسه وصار ذا ألوان مختلفة مثل الحرية الفردية والحرية الاقتصادية والحرية السياسية وقس على ذلك باقي التطورات، ولا بد أن نأخذ من تاريخنا وتراثنا الجوانب التي تكرس قيم العقلانية والعدل والتقدم، ويجدر بنا أن ننأى ببعض القيم عن الزج بها في مناورات السياسة وألاعيبها كالدين والتعليم والتربية·
ali_gh93@hotmail.com |