| منذ افتتاح مجلس النواب البحريني في ديسمبر 2002 وعلى مدى عام ونيف لم تستحوذ جلساته المبثوثة في التلفزيون أو المنشورة في الصحافة هذا الاهتمام الشعبي المحلي الواسع والمنقطع النظير كما استحوذته الجلسات المخصصة لمناقشة أوضاع هيئتي التأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد خلال يناير وذلك لما لها من ارتباط وثيق بمدخرات وحقوق الغالبية الساحقة من فئات الشعب العاملين في القطاعين العام والخاص·
ويأتي هذا الاهتمام ليؤكد بصورة قاطعة لا تقبل اللبس أن القضايا والهموم والمشاكل العامة المصيرية الملحة هي وحدها التي تستأثر باهتمامات الناس في البحرين على اختلاف شرائحهم وفئاتهم وهي في الوقت ذاته التي بإمكانها أن تحظى بالتفاف جميع النواب أو معظمهم حولها بدلا من تضييع وقت الجلسات في المسائل الشكلية والهامشية الخلافية التي لا تحظى باهتمامات معظم الناس على اختلاف فئاتهم، بل تفتقر الى إجماع غالبية النواب حولها·
ويمكننا أن نجمل أبرز الدروس المهمة المستفادة من الأداء النيابي في مناقشة أوضاع الهيئتين فيما يلي:
أولا: أن تعاون النواب البحرينيين على طرح القضايا الأساسية لشعبهم وتلمسهم قواسم مشتركة حولها هو وحده الذي يعزز مصداقيتهم بين الجماهير ويشد اهتماماتهم نحو دور البرلمان، وهو وحده كذلك الذي يتيح إطلاق مباراة حقيقية لأدائهم البرلماني ومصداقية برامجهم وشعاراتهم الانتخابية، وهو وحده الذي يوسع شعبيتهم فوق الأطر المناطقية والفئوية والسياسية الضيقة لتشمل بذلك أوسع نطاق من شرائح الشعب على اختلاف فئاتهم ومناطقهم·
ثانيا: إن مجلس النواب البحريني استنادا الى ما يملكه من صلاحيات وسلطات تشريعية حالية أيا تكن الطموحات المشروعة لتوسيعها وبناء على إذا ما استمر في تكريس هذه السابقة من التعاون الجماعي في مناقشة القضايا الأساسية للناس سيغدو في المرحلة الحالية أهم ساحة لتوثيق عرى الوحدة الوطنية وتقريب التآلف والتفاهم بين فئات الشعب البحريني ورموزه والذين سينجذبون الى من يدافع عن حقوقهم ويطرح مشاكلهم الملحة بغض النظر عن انتمائه الفئوي أو السياسي أكثر من انشدادهم الى الفعاليات السياسية ذات الطابع الطائفي الضيق أو ذات التكتلات السياسية أو الحزبية من ندوات ومظاهرات واعتصامات وخطب جمعة ومنابر حسينية·· إلخ والتي عمليا هي في غالبيتها تغرد داخل أسرابها ومعازلها و”جيتواتها” الخاصة وذلك في ظل الاستقطاب الطائفي السائد موضوعيا بصرف النظر عن إرادة بعض تلك القوى السياسية، وبغض النظر أيضا عن مشروعية كل تلك الفعاليات أو أهمية بعضها·
ثالثا: إن البرلمان البحريني وفي ضوء ما تقدم ذكره في “أولا” و”ثانيا” أضحى اليوم بصورة قاطعة وبما لا يقبل أدنى مجال للشك من أهم وسائل التغيير السياسي نحو الأفضل وتطوير العملية الإصلاحية مثلما هو من أهم أطر الانصهار الوطني ومثلما هو أهم منبر سياسي مسموع صوته من قبل غالبية الشعب في كل بيت، وأصبح يحظى بأكبر هامش من حرية التعبير أكبر حتى من الصحافة المحلية، كما أن اتساع تأثيره بين عامة الناس في البحرين، ولو في المجال التوعوي والضغط المعنوي على السلطة التنفيذية، أكبر من اتساع تأثير أطر الندوات والجمعيات والتظاهرات في الظروف الراهنة الملموسة المعقدة المعروفة·
رابعا: إن أداء مجلس الشورى البحريني هو كذلك وفي ضوء هامش الحريات العامة الذي جاء به المشروع الإصلاحي وتكرس خارج البرلمان وفي ضوء الدور المميز الذي يقوم به مجلس النواب وينافس به “الشورى” بدأ يختلف بشكل واضح عن مجلس الشورى السابق وأخذ يتمتع بقدر ولو نسبي من الاستقلالية عن السلطة التنفيذية في قراراته·
خامسا: بدأ يتضح جليا من تجربة مناقشة أوضاع الهيئتين واستنادا الى متغيرات موضوعية كثيرة - ليس هنا موضع تناولها - أن سعة صدر السلطة البحرينية الآن أكبر من سعته إبان البرلمان السابق ومن ثم فإنه لا مجال للخوف والتخويف من حل البرلمان الجديد·
وغني عن القول إن هذه التطورات الأخيرة تفرض على قوى “المقاطعة” أن تقف وقفة مراجعة موضوعية شجاعة من موقفها المقاطع للبرلمان من خلال تغليب المصلحة الوطنية العامة على الحسابات والحساسيات السياسية الضيقة وهي وقفة ملحة مطلوبة قبل فوات الأوان·
ü كاتب بحريني |
