| في حوار مطول أجرته قناة "إل· بي· سي" الفضائية مع فاروق قدومي القيادي في حركة "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية والمعروف بانتقاداته الشديدة لاتفاق أوسلو بين المنظمة وإسرائيل وهو الاتفاق الذي انفرد سرا من دون تشاور مع مؤسسات المنظمة وفصائل وقوى الشعب الفلسطيني بالدخول في مفاوضات سرية للوصول إليه كل من رئيس المنظمة الراحل ياسر عرفات ورفيقه عضو اللجنة التنفيذية "رئيسها الحالي" محمود عباس·· في هذا الحوار الذي جرى قبل بضع سنوات، سألت المذيعة جيزيل خوري "أبو اللطف" بصفته أستاذا في مادة الديمقراطية كم يعطي تلميذه "أبو عمار" من نسبة مئوية لاجتياز امتحانها فأجاب بعد تفكير: ليس أكثر من %40·
ولئن يكن ثمة مغزى من هذا الرد فهو يؤكد ليس فقط على غياب الثقافة والممارسة الديمقراطية لدى الغالبية الساحقة من قادة الأحزاب السياسية وحركات التحرر العربية - ومن ضمنها منظمة التحرير - بشهادة أقرب المقربين لهم ولما تلحقه هذه الإشكالية من النزعة الدكتاتورية في كثير من الأحيان من أفدح الضرر بمصائر قضايا شعوبهم وتعقيدها، وتتعقد هذه الإشكالية حينما يتخبط القائد المستبد في مواقفه بين الميول اليمينية التساومية المفرطة وبين المواقف اليسارية العدمية المتشددة ثم يرفض في كلتا الحالتين إذا ما ورط شعبه في موقف يجنح للمساومة أو موقف يطغى عليه التشدد أن يعترف بخطأ قراره أو يعتذر عنه·
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي كانت قيادة المنظمة برئاسة عرفات تنحو إلى المزيد من الواقعية السياسية بقبول كل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية ومن ضمنها قرار التقسيم وقرار 242 وإنشاء الدولة فوق الضفة والقطاع، وكانت هذه القيادة بكل المقاييس أقرب إلى النهج السياسي "المعتدل" الذي تتبعه مصر ودول مجلس التعاون وإن شاب هذا "النهج" ميول تساومية في بعض الأحيان مع أمريكا إلا أن المنظمة تعرف كيف تضغط بنضال شعبها والتفافه حولها موحدا للحيلولة دون تجاوز هذه الميول الخطوط الحمر·
لكن فجأة في 1990 يقع غزو دكتاتور العراق السابق للكويت الدولة العربية الخليجية المستقلة ذات السيادة والتي كانت أرضها مهد انطلاقة "فتح" السرية، وموئل وفادة واحتضان معظم قادتها المؤسسين ومن أكثر الدول العربية استضافة ودعما لأبناء الشعب الفلسطيني توظيفا وإعلاما ونشاطا سياسيا ودون أن تتدخل في شؤون أي فصيل مقابل ذلك· لكن بدلا من أن تقف قيادة المنظمة ممثلة على وجه التحديد في الراحل الرئيس عرفات مع الكويت وتندد بوضوح بالغزو ولو من منطلقات براجماتية نفعية حتى لا نقول مبدئىة فإنها اتخذت موقفا مراوغا أقرب إلى طاغية العراق السابق صدام حسين، فكان أن دفعت المنظمة والقضية الفلسطينية ضريبة سياسية ومالية باهظة بسبب هذا الخطأ التاريخي، فنحو نصف مليون فلسطيني اضطروا أو أجبروا على مغادرة الكويت وافتقدت المنظمة أكبر الممولين والداعمين لها ماليا ممثلا في دول مجلس التعاون الخليجي·
وإزاء هذه الورطة والعزلة التي تزامنت مع انهيار القوة العظمى الثانية "الاتحاد السوفييتي" أكبر الداعمين لها سياسيا وماليا وتعليميا وعسكريا انفردت قيادة المنظمة بالارتماء في ورطة أخرى يمينية مضادة هي الانسياق وراء مفاوضات اتفاق أوسلو إلى آخر شوطها ومع ذلك تنكرت إسرائىل وأمريكا حتى لاستحقاقات هذا الاتفاق برغم مما قدمه عرفات من تنازلات·
وفيما يتعلق بغزو الكويت ومع مكابرة عدم الاعتذار ازداد ضرر المنظمة والشعب الفلسطيني سياسيا وماليا في علاقتهما مع دول الخليج بوجه عام والكويت بوجه خاص، وظل هذا الموقف على حاله حتى رحيل "أبو عمار" أخيرا جاء الاعتذار متأخرا جدا بعد مضي 14 عاما من الغزو وذلك على لسان خلفه "أبو مازن" لدى زيارته الأخيرة للكويت، لكن كم كان سيستفيد منه الشعب الفلسطيني لو جاء مبكرا·· مهما يكن فإن يأتي الاعتذار ولو متأخرا خير من أن يتأخر أكثر مما تأخر أو لا يأتي أبدا· |
