تشير تقارير التنمية الى أن العرب بأمس الحاجة الى مشروع نهضوي لتقليص الفجوة بينهم وبين الدول والشعوب التي سبقتها الى طريق الديمقراطية، وهذا المشروع يستدعي مقومات كثيرة في مقدمها الصدق في التعامل مع الواقع ومع الذات ومع الآخر·

وكان يفترض بالصحف الصادرة في المهجر أن تكون قد تخلصت من إسار القمع الفكري وما يتبعه ويترتب عليه من أساليب المراوغة والكذب، واعتمدت الموضوعية في عرض الوقائع وجعلها جسرا يؤمن عبور هوة التخلف·

ولكن بعضا من هذه الصحف لا يكف عن ممارسة أساليب القذف والتشهير وتزييف الحقائق، وقد بلغ الأمر بإحدى الصحف العربية الصادرة في لندن والمعروفة بصلاتها الوثيقة مع نظام صدام حسين حد تلفيق “رسالة” نسبت الي من دون أن أكتبها أو أمليها، وحتى إذا افترضنا حسن النية وسلمنا بأن الرسالة ربما وصلت عن طريق البريد، فإن الجريدة لم تكلف نفسها عناء الاتصال بي للتأكد من صحتها قبل النشر·

ولكن افتراض حسن النية لا يبدو واردا إذ إن الرسالة، من ألفها الى يائها، مدبجة بالطريقة المعهودة لدى أجهزة المخابرات والدوائر المتصلة بها، فهي تأخذ فتاتا من الوقائع وتمزجه بالكثير من الأكاذيب لتطلع على القارئ بـ “طبخة” تستهدف أغراضا عدة أسمّي منها:

1 - الإساءة إلي شخصيا وذلك لأن “ليتموتيف” أو “اللحن الأساسي” الرسالة أن كاتبها تتبرأ من صلة ما برابطة الدفاع اليهودي ومدبج هذا التلفيق يريد أن يوحي للقارئ بأن تحت النار رمادا، وأن “البراءة” هي نوع من الإقرار بالذنب·

2 - الإساءة الى صديقي وزميلي الأستاذ نوري عبدالرزاق حسين السكرتير العام لمنظمة التضامن الآسيوي الإفريقي الذي تعرض الى حملة هوجاء من الأكاذيب تصدى لتنفيدها الكثير من قادة الحركات الفلسطينية الذين عرفوه مناضلا ثابتا من أجل استعادة الحق العربي بالإضافة الى عدد من الشخصيات الوطنية العراقية·

3 - ويهدف واقع الرسالة الى تشويه سمعة القوى الهادفة الى إحداث تغيير ديمقراطي في العراق بالتلميح الى أن قادة وأنصار الحركة المناوئة للدكتاتورية عليهم “نقطة سوداء” ما، وهذا أسلوب اتبعته مخابرات صدام حسين مع المعارضين العراقيين “والعرب عموما” ووصلت به الى ذروته المنطقية - التصفية الجسدية، والرسالة المنشورة هي نسخة مكررة ومصغرة هدفها التصفية المعنوية·

4 - لا أجزم بل أفترض أن نشر مثل هذه الرسائل يخدم، عن قصد أو من دونه، الحركة الصهيونية العالمية بالإيحاء بأن لها “امتدادات” داخل الجسد العربي وفي قياداته·

ولا أريد أن أفند تفصيلا ما جاء في الرسالة كونها، في مجملها وتفاصيلها، حفنة من الأكاذيب الرخيصة، وحسبي القول إن كاتبها لا يعرف حتى أنني لست واحدا من 25 عضوا في مجلس الحكم الانتقالي، فيما هو “نصبني” في هذا الموقع مرتين، وجعلني أوقع “الرسالة” بهذه الصفة·

ويعرف من يتابع ما أكتبه في الصحف العربية والعراقية أنني أربأ عن استخدام تعابير مبتذلة كالتي حفلت بها “الرسالة” المختلقة والتي كانت، الى ذلك، مليئة بالأغلاط والمغالطات في شأن الوقائع، ولا يمكن أن آتي على تفاصيلها لأن ما كان كذبا كله لا يمكن أن يكون جزء منه صادقا·

بناء على ذلك أود إبلاغ أصحاب الشأن أنني أنوي مقاضاة الجريدة على نشرها الرسالة الملفقة، وأعلن سلفا أن ما قد أكسبه من تعويض مالي سوف أتبرع به لدعم الصحافة الحرة والموضوعية·

وختاما أود التعبير عن اعتقادي الراسخ بأن المستهدف الأول من الرسالة ليس شخصي أو شخص الأستاذ نوري عبدالرزاق، بل العراق الجديد الساعي الى إنهاء الاحتلال والتخلص من إرث الدكتاتورية وبناء تجربة تكون مثالا وقدوة نظام ديمقراطي يغدو بديلا من نظام الاستبداد والقسر وقمع الحريات، ولعل مثل هذه الآفاق تؤرق البعض وتثير فيهم الحنق، ومن يعجز عن إعادة تركيب الماضي وتلميعه فإنه يسعى الى منع بناء الحاضر وتشويهه·

ü وزير التخطيط والتعاون الإنمائي في العراق