على مدى شهور ظل الجميع مأخوذين بسكرة ترقب بحبوحة ارتفاع أسعار النفط التي ستهبط عليهم وتقيلهم من عثرة ضائقتهم المالية والمعيشية ولما طالت هذه الشهور دون أن يلمسوا أي أثر من قريب أو بعيد لهذه البحبوحة ازداد الغمز واللمز حول مصير هذه الزيادة المختفية ودخل النواب على هذا الخط في سباق هذا الغمز واللمز، ولما طال هذا السباق ارتأت الدولة بأنه لا مناص لها من إرسال رسالة قوية لإفاقة النواب والشعب من غيبوبة هذا السراب بعدما بدا أن رسالتها العابرة التي طيرتها عبر أثير إحدى وكالات الأنباء لم تعط مفعولها للإفاقة وقد تكفل بهذه الرسالة الجديدة ليس مسؤولا حكوميا هذه المرة بل رئيس أحد مجلسي السلطة التشريعية "مجلس النواب" ألا وهو خليفة الظهراني، حيث صعق أعضاء المجلس بأن إحدى الدول الخليجية قد توقفت منذ يوليو الماضي ليس عن سداد حصة البحرين من بئر حقل نفط مشترك بين البلدين فحسب بل وعن دفع أيضا قيمة منحة نفطية مالية تقدر بـ 53 ألف برميل يوميا إلى جانب حصتها عن عوائد إنتاج البئر المشار إليه كاملا والمقدرة بـ 143 ألف برميل يوميا بعدما كانت مناصفة بينها وبين البلد الخليجي الشقيق المعني·
وبصرف النظر عن كون هذه الرسالة الحكومية المفاجأة لا تشكل الجواب عن تساؤلات الكثيرين حول مستقبل ومصير الزيادة على أسعار إنتاج البحرين من آبارها الأخرى أيا كان تواضع إنتاجها، حيث لم تترجم بعد على صعيد الموازنة العامة ومن ثم مشاريع البنى التحتية وتحسين أحوال الناس المعيشية إلا أن نوابنا الأفاضل الفالحين بغالبيتهم العظمى في تبادل إذكاء النعرات الطائفية وتفجير المعارك الهامشية حول القضايا الخارجية ما من أحد منهم - ويا للغرابة - قد "نبس ببنت شفة" بطلب المزيد من الإيضاح والشفافية سواء من الحكومة أو من رئيس المجلس حول هذه القضية المصيرية الفائقة الأهمية المرتبطة بجانب من أبرز وأخطر ثرواتنا الوطنية وذات الصلة الوثيقة ليس بمصالح أجيالنا الحاضرة فحسب بل وبمستقبل أجيالنا القادمة وهو المستقبل الأكثر غموضا ومنحى للتشاؤم·
فعل الرغم من التصريح الذي أدلى به بعدئذ مسؤول في وزارة المالية لاستكمال توضيح رسالة الظهراني بأن البلدين بصدد الاتفاق على صيغة جديدة لتقاسم إنتاج ودخل الحقل بعد توسعته (تكلفتها 1,2 مليار دولار) بغية رفع الإنتاج إلى 300 ألف برميل يوميا، إلا أن الكثير من النقاط للأسف مازالت ليست على الحروف لا رسالة الظهراني ولا تصريح المصدر المسؤول في وزارة المالية مما يتطلب المزيد من الشفافية·
فهل البئر تقع في حدود المياه الإقليمية للبحرين وفقا للقانون الدولي أم تقع على الحدود بين البلدين تماما؟ وإذا كانت البحرين ستتحمل تكلفة توسعتها مناصفة - أي ما يقرب من نصف مليار دولار - فكيف ستدبر هذا المبلغ من موازنتها خاصة وقد توقف إمدادها من عوائد إنتاج البئر؟
ثم ما الانعكاسات القريبة المنظورة من تلك التكلفة على موازنتها ودخلها القومي ناهيك عن انعكاسات توقف الإمداد عليهما؟
وتزداد أهمية معرفة هذه الانعكاسات المقلقة إذا ما علمنا بأن هذه البئر وحدها تساهم بأكثر من %94,6 من إجمالي الإيرادات النفطية في الموازنة العامة·
ولعل مما يكتنف الغموض المضروب حول هذه المسألة أن لا أحد يعرف مصير اتفاق 1996 فهل ينص توثيقها على تنازل الطرف الخليجي الثاني عن حصته في البئر أم جرى ذلك في سياق تكرم أخوي من هذا الطرف؟ وإذا كان الاتفاق يتضمن هذا التنازل فعلى أي أساس جرى بموجبه موافقة الحكومة المبدئية على إعادة المناصفة مجددا في تكلفة التوسعة وفي عوائد الإنتاج؟
وإذ نعلم ونقدر أحق التقدير المصاعب الاقتصادية والضائقات المالية التي يمر بها كل الأشقاء بدول مجلس التعاون بلا استثناء بدرجات متفاوتة إلا أنه من الأهمية بمكان أن يعلم هؤلاء الأشقاء بأن شقيقتهم البحرين هي الأقل إنتاجا في النفط والأكثر تضررا في المصاعب الاقتصادية، وإن المراعاة العادلة لوضعها في الاتفاق المنتظر على عوائد البئر المذكورة، أيا تكن حقوقها فيها ليست من دون عائد أو ثمن أمني وسياسي عليهم باعتبارها الرقم الصعب والأهم في أمن دول المجلس بوجه عام والطرف الآخر المعني بالاتفاق بوجه خاص، ومن دون حصول الدولة على هذه المراعاة فإنه ينبغي لها التوجه إلى بناء علاقاتها مع كل دول المجلس دون استثناء على أساس الاحترام المتبادل المدعم بالندية الكاملة وهو ما تفعله هذه الدول جميعها تجاه بعضها بعضا·
ü كاتب بحريني |