محمد إدريس حجازي قاطن في مكة يقرأ ويشاهد كل ما يقرؤه ويشاهده ويستمتع له بيتر الأمريكي القاطن في أورنج بيرغ بكاليفورنيا·
يشاهد إدريس جميع القنوات التي تبث عبر الفضائيات بما فيها تلك الإباحية وكذلك بيتر·
يمارس بيتر مطلق حريته الإنسانية في القراءة عبر شبكة الإنترنت وكذلك إدريس·
إدريس وبيتر يتحدثان عبر شبكة الإنترنت دون أي قيود ويعبران عن آرائهما بمطلق الحرية دون رقابة دولهم، إنه زمن العولمة الزمن الذي تسقط فيه قوانين الدول الصغيرة وتسود فيه قوانين الدولة العظيمة·
يشكل هذا العصر تحديا للدول ذات الأنظمة المتزمتة دينيا واجتماعيا وديموقراطيا إذ إنها لا تملك مقاومة الثورة الإعلامية متمثلة بالفضائيات و الإنترنت و غيره كما أنها لا تملك منع مواطنيها من متابعة هذه الثورة والتأثر بها·
كما أنها لا تملك أن تقبل بهذا الوضع الذي حرمت مواطنيها منه لأسباب خاصة بتلك الدول وعلى الرغم من تغلغل الإعلام والفكر الخارجي إلى حجرات الشباب في تلك الدول المتزمتة كنفاذ الهواء من الشبابيك المفتوحه إلى الغرف المغلقه إلا أنها مازالت تعامل من يحرر مقالا أو يدخل كتابا إلى الدولة كمن هرب المخدرات أو قتل بريئا فكلاهما مجرم·
الدولة لم تعد ذلك الشرطي الذي يحمل عصاه في وجه من يستخدم حواسه الإنسانية في قراءة ما يحب والاستماع لما يرغب والنطق بما تختلج به مشاعره بل على العكس من ذلك إذ إن الشرطي ذا الهراوة تحول لطفل عاجز عن ممارسة ما كان يمارسه من قمع للحواس البشرية، أصبح طفلا ضعيفا يحاول الدفاع عن نفسه من تغلغل المواطنين إلى أسرار مملكته و دولته عبر شبكات الإنترنت·
يجب أن تعي الدول الصغيرة و المتزمتة أن عليها أن تتعامل مع العصر الجديد بعقلية الثقة و المسؤولية وليس بعقلية الشك والخوف وأن تثقيف الطفل بطريقة عبور الشارع أفضل من منعه من الخروج فهو يوما ما سيخرج وستدهسه السيارات المسرعة،كما يجب أن تعي بأن سياسات المنع التي عانينا منها على مر العصور السابقة تسببت بإقبالنا الفاحش على كل ما هو ممنوع بغض النظر عن جودته أو مدى حاجتنا لها، لذا فقد بات لزاما على الدولة أن تسعى لتثقيف أبنائها عوضا عن الحجر على عقولهم في زمن سقطت فيه الرقابة وأن تتخلى عن دور الشرطي ذي الحواجب الغليظة المنعقدة الغاضب إلى رجل السلام الأمين المرشد المحبوب من الجميع·
almelhem@taleea.com |