لم تفلح جهود الرئيس خاتمي ومن ورائه النواب الإصلاحيون في تأجيل موعد الانتخابات المزمع إجراؤها في العشرين من هذا الشهر، ولم تفلح جهوده أيضاً من حرمان أكثر من 200 من المرشحين الإصلاحيين لخوض تلك الانتخابات· قصارى ما وصل إليه خاتمي في اجتماعه مع مرشد الجمهورية علي خامنئي هو أن تعرض أسماء المرشحين على أجهزة المخابرات لتحديد أهليتها لخوض تلك الانتخابات· إذن الانتخابات الإيرانية انتخابات مشروطة لا يحق لجميع مواطني الجمهورية الإسلامية خوضها، وما يثيره المحافظون حول أهلية المرشحين الإصلاحيين مردود عليه، فلو كانت هناك شكوك حول هؤلاء( من قبيل الاتهام بالعمالة وغيرها) لكان من الأولى أن يقدم هؤلاء للمحاكمة بتهم محددة ويصدر القضاء بحقهم ما يراه مناسباً من أحكام· لكن الموضوع لا يعدو صراعاً على السلطة تستخدم فيه القوى المحافظة سلطتها لإبعاد وإسكات الرأي الآخر بذريعة الحرص على مبادئ الجمهورية الإسلامية·
والحق أن تجربة إيران في تأسيس نظام سياسي به قدر من المشاركة الشعبية الحقيقية مع وجود هامش من الحريات السياسية ظاهرة لا بد من التوقف عندها· فالنظام القائم يستمد شرعيته من الثورة الإيرانية التي قامت في العام 1979 وشاركت بها ملايين الجماهير الإيرانية بقواها السياسية المختلفة وإن كانت الغلبة فيها للقوى الدينية بقيادة آية الله الخميني، لكن هذه الثورة سرعان ما تنكرت للعناصر والقوى العلمانية والليبرالية والتقدمية، وتعرضت تلك القوى للقمع وحرمت من العمل العلني، وأصبح العمل يقتصر على القوى والجماعات الدينية، وتأسس نظام تعددي ضمن الإطار الواحد يشبه صيغة “الجبهة الوطنية” التي طبقتها الكثير من أنظمة العالم الثالث مع خصوصيات التجربة الإيرانية المتمثلة بعمق ثورتها وأصالتها وطبيعة المذهب الشيعي بمراجعه الدينية المتعددة وبأهمية إيران الإستراتيجية·
إن العمل في ظل الإطار الواحد أفرز تيارين أساسيين في المجتمع: تيار متشدد وآخر إصلاحي، وبلغة دينية وبمصطلحات من التراث طرحت كل القضايا التي عادة ما تثور بين القوى التقدمية والقوى المحافظة في النظم العلمانية، وتبين مع مرور الوقت أن الصراع لا يعبر فقط عن رؤى فقهية موضع اختلاف بل أيضاً عن مصالح ونفوذ وسلطة وقوى اجتماعية يدافع عنها هذا الفريق أو ذاك· وكان من المأمول أن يتطور ذلك الصراع بصورة سلمية بقيادة الإصلاحيين ليصل النظام إلى التمثيل الشعبي الحقيقي الذي يعبر عن آراء المواطنين دون شروط مسبقة كما هو حاصل في النظم الديمقراطية·
نأمل ذلك لكن يبدو أننا سننتظر طويلاً!!
alyusefi@taleea.com |