التقوقع في كيانات مغلقة في المجتمع الصغير له سلبيات متعددة، من أبرزها أنها تمنع الألفة والاندماج والانفتاح على الآخر وتشجع على التقاصي والتشرذم وتجعل الإيمان بالفكر الأوحد من المسلمات التي لا يمكن التنازل عنها حتى لو أثبتت الحقيقة عكس ذلك، ولا نتجاوز الواقع إذا قلنا إن الكثير من الانشطارات والاعتداءات الأهلية في بعض المجتمعات العربية والإسلامية هي من تراث العقلية المتعصبة التي لا ترى إلا لونا واحدا وفكرا واحدا!
هذه العقلية المتأطرة بنفسية اجتماعية منكسرة وتبلورت مع سياسات مارستها الأنظمة والتي ينقصها بعد النظر والحصافة، سمحت مع الوقت بأن تكون حضنا ومرتعا لفتن ونزعات تغلب عليها جوانب التصعيد والعنف (كما حدث في لبنان سابقا) والاستفزاز المتبادل والتي غطت على جوانب المسايرة والمداراة والقبول بالآخر!
فبدلا من أن تمارس المعتقدات والقناعات الثقافية وظيفة تربوية تهذيبية وتؤكد احترام مصالح الأمة والوطن وتساهم بتقوية الأواصر الاجتماعية، نجدها تتحول إلى مادة للتحصن والانغلاق وتشمر عن جدليات موروثة تاريخية أو اجتماعية غير متيقن من “مصاديقها” وغير آبهة بعواقبها على المجتمع، ومستحضرة بكل صورها السلبية الدفينة في الأعماق، لتنشط من جديد ويتم استيرادها وطرحها في مجتمعنا عنفا بالقول تارة وبالفعل تارة أخرى (كتاب هنا ومنشور هناك والتباري في غرف مغلقة “بالإنترنت” وغيرها من مطبوعات صوتية ومرئية) والكل يعلم أن مجتمعنا الكويتي يعيش ثوابت منذ نشأته ولا يمكن المساس بها بأي حال من الأحوال، وقد سطرها مشرعو الدستور أيضا لإدراكهم لأهميتها·
في هذا الإطار لابد من القول إن النزعة التسلطية والأنانية المفرطة، هي التي تفرغ الدين والقيم من أصولها النبيلة، تحت دواع ومبررات تعصبية مقيتة، فمثلا الادعاء بأن قوما ما على صواب أو على باطل والعكس بالعكس، أمر يحتاج إلى تكييف منطقي ومعيار علمي، يفترض أن يقود أركانه صفوة من المؤمنين تحت أساس مهم بأن إلغاء الآخر بات أمرا مستحيلا وذلك لمخالفته جوهر الأفكار الإنسانية وأن يكون معززا بالضمير والرقابة الذاتية، ومع استدراك أن التحمس لممارسة الصلاح والخير لايبرره الإضرار بالآخرين، مهما كانت دواعيه·
من هنا نحن نميل مع الرأي الذي يتبناه البعض أنه من الأهمية بمكان أن يعتني القائمون على الفكر بجميع أطيافهم ومشاربهم، بمسائل التنوع والتعددية وقيم التسامح والمودة والمؤاخاة في الدين والوطن، بدلا من تحين الفرص في كيفية إلغاء الآخر ونفيه من الخارطة الاجتماعية والحقوقية·· وبما أننا نعيش ذكرى الاستقلال والتحرير فحري بنا أن ننبه إلى نقطة مهمة في هذا السياق أن هذه العقلية التي أشرنا إليها آنفا تتماشى من حيث لا تدري مع من يستهدف أمن الكويت، لأنها تهيىء الظروف وتغذي الأحقاد وتمنع الائتلاف فتعم العصبيات وتزداد عفونة الفتن! فإلى متى؟!·
رشفة آخيرة:
شاهد عيان يقول إنه من منفذ النويصيب الحدودي باتجاه مدينة الكويت لا توجد علامة دعائية وترحيبية وغيرها واحدة ومميزة تشير إلى بدء فعاليات مهرجان “هلا فبراير” في دولة الكويت، ونحن نتساءل هل فعلا القائمون على هذا المهرجان يريدون إنجاحه؟!· |