قال روبن كوك وزير الخارجية البريطانية السابق الذي استقال حتى لا يشارك في الإعداد لغزو العراق في أول تفسير علني لموقفه وهو عضو في مجلس العموم عن حزب العمال الحاكم، قال إن ما فعلته حكومة بلير في هذا الصدد أكبر خطأ سياسي ارتكبته حكومة بريطانية منذ حملة السويس، وأثار كلامه ذكريات مجيدة لأيام مجيدة عاشها شعبنا المصري قبل 48 عاما، فقد تجمعت بريطانيا وفرنسا واستعانت بإسرائيل في حملة عسكرية لاحتلال منطقة قناة السويس وما يحيط بها بدعوى تأمين الملاحة الدولية في القناة وإلغاء قرار تأميم جمال عبدالناصر >للشركة العالمية لقناة السويس ش· م· م< وكانت الدوافع الحقيقية لا صلة لها بذلك إطلاقا ولا حتى بالعوائد المالية الدسمة التي يحصل عليها حملة أسهم الشركة وفي مقدمتهم حكومة صاحب الجلالة في لندن، وإنما كان حزب المحافظين الحاكم برئاسة أنطوني إيدن يريد إسقاط عبدالناصر لأنه يشجع حركة التحرر الوطني في اليمن والخليج العربي ويطرح على شعوب المشرق طموحات فقدوا الأمل فيها منذ أجيال، أما حكومة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في فرنسا برئاسة جي موليه فقد كانت غارقة في مقاتلة الشعب الجزائري الذي أعلنت فرنسا أرضه جزءا من الجمهورية الفرنسية ذاتها، أما أهل الأرض فهم غرباء فيها تطلق عليهم صفة الرعايا التي اندثرت مع تصفية الاقطاع في أوروبا، أما العدو الدائم لمصر، إسرائيل، فقد رأى بن غوريون أن من مصلحتها أن تظهر ساعية لاحتلال سيناء وضمها لأراضيها (شريطة أن يحمي طيران بريطانيا وفرنسا القوات الزاحفة في الصحراء) حتى تكون الحرب بين مصر وإسرائيل ذريعة لتدخل لندن وباريس بقوات تحمي الملاحة في قناة السويس وتكون حاجزا بين الجيشين المتقاتلين·
وصمد الشعب المصري وقيادته، وبدأت استعدادات لمشاركة دول عربية ولو بغير إعلان، وتعاطف الرأي العام العالمي مع الشعب الصامد، وزمجر قادة الاتحاد السوفييتي بكل ما تحت يدهم من قوة عسكرية، وانتهى الأمر بانسحاب الغزاة واحتفاظ مصر بالقناة واكتساب عبدالناصر - وهو في أوائل الثلاثينات من عمره - شعبيته لدى المصريين جميعا، وأصبح في نظر العرب بطلا قوميا، وعدته شعوب العالم الثالث نموذجا أعاد لحركة التحرر الوطني الأمل في إمكان تأميم مصادر ثروتها بعد الإحباط الذي أحست به منذ إخفاق تجربة مصدق في إيران·
وبالمقابل فقد كل من إيدن وموليه مراكزهما الحكومية وكذلك قيادة حزبيهما ونسيهما التاريخ، ترى هل يحل ببوش وبلير ما حل بسابقيهما؟ |