| في مثل هذا الوقت من العام الماضي تقريبا منيت إسرائيل والحركة الصهيونية العالمية والولايات المتحدة بضربة شعبية أوروبية غير متوقعة تجاه سمعتهم الأخلاقية إذ أظهر استطلاع أوروبي أن معظم الأوروبيين يعتبرون أن إسرائيل تشكل الخطر الأول على السلام في العالم ثم تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية، والمغزى الواضح لهذه النتيجة البون الشاسع الذي يفصل بين ما تنادي به النخب والأحزاب الحاكمة في الكثير من الدول الديمقراطية الغربية من شعارات حول الحرية والديمقراطية والمساواة والسلم من جهة وبين ما هو ممارس على أرض الواقع من جهة أخرى·
ولعل الولايات المتحدة الأمريكية هي أكثر الدول الديمقراطية الغربية وقوعا في هذه الإشكالية الى درجة تكاد تكون مستديمة، فما زالت حصيلة انتفاع أقسام ومجاميع واسعة من شعبها من الديمقراطية محدودة، وما زال المستفيد الأول والمتحكم في قواعد لعبتها أصحاب الرساميل الكبرى والأوليجاركيات المالية، ولا يتورع هؤلاء من خلف كواليس المسرح السياسي عن تسويق السياسات اللاأخلاقية التي تسيء الى سمعة نظام بلادهم الديمقراطي وتتصادم مع الضمير العالمي، وأن يدخلوا - بفضل التغلغل الصهيوني داخل عصب ومفاصل الحياة الاقتصادية الأمريكية ومن ثم الحياة السياسية - في تحالف مع الحركة الصهيونية، ومن ثم تسخير مصالح بلادهم خدمة لمصالح هذه الحركة فضلا عن خدمة مصالحهم الأنانية الضيقة·
ولعل أبرز دليل ساطع ظهر مؤخرا على انفصام الضمير والرأي العام الشعبي الأمريكي عن المواقف والسياسات الرسمية المحابية للصهيونية هو استطلاع الرأي الذي أعلنت نتائجه في سبتمبر الماضي حول الموقف من أكبر جهاز لوبي أمريكي - صهيوني ضارب في المجتمع والنظام الأمريكي ويحظى بالشرعية القانونية ألا وهو "إيباك" وذلك في ضوء فضيحة تورطه في التجسس لصالح إسرائيل داخل "البنتاغون"، فقد اتضح من الاستطلاع أن غالبية الأمريكيين يرون إيباك (اللجنة الأمريكية - الإسرائيلية للشؤون العامة) "تتصرف كعميل أجنبي للحكومة الإسرائيلية" وقال %61 ممن شملهم الاستطلاع: إنه يجب أن تسجل هذه اللجنة "كوكيل لدولة أجنبية ويتم إلغاء الإعفاء الضريبي عنها"·
لكن لم تمض سوى أيام معدودة وإذا بأكبر مؤسسة تشريعية "الكونغرس" يقر قانونا عجيبا لا مثيل له في دول العالم الديمقراطية لتناقض محتواه وجوهره مع أبسط مفاهيم الديمقراطية وحرية التعبير والمساواة والعدالة، فقد مرر الكونغرس - بغرفتيه النواب والشيوخ - قانونا يعرف بـ "قانون مراقبة انتقاد اليهود العالمي" تقدم به عضو الكونغرس اليهودي العنصري المعروف توم لانتوس، وبموجب هذا القانون تلزم وزارة الخارجية بإصدار تقرير سنوي - شبيه بتقرير حقوق الإنسان في العالم - يرصد الانتقادات الموجهة الى اليهود أو تتعرض لهم، وقد صدق الرئيس بوش على هذا القانون مؤخرا·
وبالطبع فإن المقصود بهذا القانون هو تحصين السياسات الإسرائيلية وأنشطة الحركة الصهيونية العالمية من أي انتقاد أو مناوءة وليس مجرد مواجهة انتقاد اليهود فقط لأنهم "يهود"، ويظهر هذا القانون الغريب الفزع الذي ينتاب إسرائيل والحركة الصهيونية من تدهور سمعتهما الأخلاقية أمام الضمير العالمي خصوصا أنه جاء بعد أيام قليلة من آخر جرائم الإرهاب الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في شمال غزة والذي وصل الى درجة قيام ضابط إسرائيلي "درزي" بتفريغ خزان رشاشه الأتوماتيكي (20 رصاصة) في جسد الطفلة إيمان أبو الهمص (13 عاما) رغم تأكده مقدما من مقتلها، وكذلك قتل طفلتين أخريين في حادثين منفصلين وهما على مقعد الدراسة·
هذا في حين لا تتورع واشنطن بعدئذ عن إحباط قرار لمجلس الأمن يدين العدوان الإسرائيلي على شمال غزة ثم تكرر في بلاهة إبداء دهشتها من كراهية العرب والمسلمين للولايات المتحدة الأمريكية ناسية ومتناسية دورها في دعم إسرائيل اللامحدود، وناسية ومتناسية دور "إيباك" في صنع هذه السياسات الرسمية المنحازة لإسرائيل والحركة الصهيونية العنصرية وضاربة عرض الحائط بموقف شرائح واسعة من شعبها من "إيباك" كدولة داخل دولة كانت لها اليد الطولى في قيادة أكبر حشد من جماعات وقوى الضغط لتمرير قانون يضفي على اليهود وإسرائيل والحركة الصهيونية العصمة من الزلل ويحصنهم ضد الانتقاد والإدانة حتى لا نقول العقاب· |
