| على الرغم من تسخير حزب الله اللبناني قناته الفضائية "المنار" لخدمة إعلام المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، بغض النظر عن النهج الأيديولوجي الحزبي والسياسي المتبع في هذا الإعلام، إلا أنه عجز بعد إنجاز التحرير عن تطوير الخطاب السياسي الإعلامي للقناة سواء الموجه منه الى الداخل أم الموجه الى الخارج، وظل هذا الخطاب الإعلامي التحريضي المقاوم على حاله لا يغلب عليه التأدلج المتشدد فحسب، بل تطوع ليطرح نفسه في أوضاع ومتغيرات فلسطينية وعربية وإقليمية ودولية دقيقة بالغة الصعوبة والتعقيد رأس حربة إعلامية أمامية ضد إسرائيل نيابة ليس عن الأمة العربية والإسلامية جمعاء بل عن الشعب الفلسطيني برمته، وبدا الحزب بذلك فلسطينيا أكثر من الفلسطينيين وعربيا أكثر من كل العرب ومسلما أكثر من كل المسلمين، ومثلما لم يعرف عن القناة إيلاؤها أي أهمية لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني اللهم في أضيق الحدود فإنها أيضا عجزت عن تطوير خطابها الإعلامي ليتسق مع هذه المفاهيم والقيم الإنسانية العصرية في الصراع مع العدو الإسرائيلي·
ولما كان هذا الخطاب الإعلامي موجها أيضا للجاليات العربية والإسلامية المقيمة في دول الاتحاد الأوروبي فقد كانت هذه الأخطاء الإعلامية الثغرة التي نفذت منها القوى الصهيونية واليمينية المتطرفة لمحاربة القناة في أوروبا حيث تبث من قمر ايتليسات الأوروبي بموجب اتفاق مع المجلس الأعلى السمعي والبصري الفرنسي·
وكانت المشكلة قد تفاقمت بين فرنسا "والمنار" إثر قيامها ببث مسلسل "الشتات" في رمضان ما قبل الفائت وهو المسلسل الذي قيل إنه يتضمن تحقير اليهود كجماعة دينية وليس فقط كدولة أو أيديولوجية صهيونية، مما أثار انتقادات ليس قوى الضغط الصهيونية المتصيدة في فرنسا فحسب بل أوساط وشرائح كثيرة من المثقفين والقوى السياسية الديمقراطية الفرنسية المناصرة للقضية الفلسطينية والمعادية للصهيونية، والأهم من ذلك فإن المسلسل ذاته أثار حفيظة نخبة من المثقفين والنقاد العرب والفلسطينيين المشهود بوطنيتهم وثقافتهم الديمقراطية، وعلى سبيل المثال فقد انتقده بشدة واحد من أكبر النقاد السينمائيين العرب إبراهيم العريس إذ اعتبره مرتجلا ولا يميز بين اليهود والصهيونية بل هو يحرج موقف بعض اليهود والقوى الفرنسية الديمقراطية المتعاطفة مع العرب·
كما هاجم المسلسل الكاتب الفلسطيني المعروف بلال الحسن وأكد أن أزمة المنار مع فرنسا ليست حتمية لو عرفت القناة كيف تصوغ خطابا ذكيا معاديا للسياسات الإسرائيلية دون الوقوع في محذور الاتهام بمعاداة السامية مستشهدا بحكاية من مجلة "اليوم السابع" السابقة والتي كان يشرف عليها وتصدر من فرنسا والتي كانت تركز على مهاجمة السياسات الإسرائيلية والأيديولوجية الصهيونية وممارسات الجيش الإسرائيلي، لكنها عندما نشرت بأمر من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قصيدة عربية مؤثرة تحقر من اليهود وقعت المجلة في يد إسرائيل والقوى اليمينية المتطرفة والصهيونية المتربصة بالعرب في فرنسا فكان أن وجهت سلطاتها إنذارا شديد اللهجة بضرورة التقيد بقوانين البلاد المتصلة بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان·
ولما كان حزب الله بحاجة الى إعادة نظر جذرية شاملة سريعة في خطابه الإعلامي لينسجم مع شروط الاتفاقية الجديدة بينه وبين فرنسا لتسوية الأزمة بإعطائه حق تمديد العقد مع المجلس السمعي والبصري الفرنسي لمدة عام واحد فقط فإنه يستحيل أن يقدم حزبا أيديولوجيا معروفا بفكره الشمولي المتشدد على التخلص من سلبيات خطابه الإعلامي بين عشية وضحاها، إذ سرعان ما وقع في الأخطاء نفسها في ظل غياب خطاب إعلامي مرن جديد مما تسبب في قرار فرنسا الأخير بمنع بث القناة·
إن فرنسا هي صديقة للعرب وقوانينها وقيمها الديمقراطية "تنسجم في أغلب جوانبها مع القيم العربية والإسلامية" على حد تعبير مدير الأخبار بالقناة حسن فضل الله لكن مأساة "المنار" أنها لم تعرف صياغة خطاب إعلامي يخاطب عقول الغرب، ولم تعرف كيف توظف القوانين والأعراف الفرنسية لنصرة القضية الفلسطينية والقضايا العربية، كما لم تعرف كيف تقيم جسورا لتحقيق هذه الغاية مع قوى وجماعات الضغط الفرنسية الديمقراطية المناصرين للعرب والتي تبدو عاجزة عن مساعدة القناة بسبب أخطائها! |
