لعل كلمة (طائفة أو قبيلة) هي في الجانب التعريفي تعني مجموعة منسجمة في تفكيرها العقائدي أو العرقي ولها خصوصيتها التاريخية والتراثية وتنبثق من خلال تلك الخصوصية معظم أدبيات سلوكها الاجتماعي وتمارسه بشكل تلقائي في محيط المجتمع العام وهي على هذا تختلف عن الطائفية أو القبلية حين تتمثل في المحور السلبي عند تعاملها بصورة انعزالية عن واقعها الاجتماعي وبدت كمفهوم مستهجن عندما يتداول في العصر الحديث· والمتتبع لحركة التاريخ وبالأخص الأوروبي (الذي اقتبسنا منه كل المصطلحات السياسية والاجتماعية كمفاهيم مقولبة بعد هجرات الانفتاح والتعليم للمواطنين العرب وكذا من المستشرقين بعد النهضة الأوروبية تارة وإلزاما من المستعمر تارة أخرى، وعلى الرغم من عدم تطابق بعض من هذه المصطلحات على واقعنا وليس موضع بحثنا الآن) فإن هذين المصطلحين (الطائفية والقبلية) قد ظهرا في بريطانيا القديمة قبل العهد النورماندي إبان فترة سيطرة ما عرف بملوك الطوائف وأيضا في الأندلس على أيدي الزعماء المحليين العرب المسلمين والبربر·
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن مفهوم الطائفية الانفعالي والمفهوم القبلي السلبي يعتبر شائعاً لدى الأوساط كافة أميين ومثقفين، وجهاء وبسطاء، أغنياء وفقراء، حيث إنه يستخدم كوسيلة لزيادة الأنصار وغاية لمنع الانفتاح على الآخرين وهي سلوكيات في بناءاتها متعارضة مع أبسط قواعد التعامل الإنساني الاجتماعي السليم، وما زالت هذه الغايات تسيطر على الأفهام بشكل أو بآخر وتحت عناوين كثيرة·
وللتقريب فإن تمكن المجموعات (الأقوى والأقلية في ذات الوقت) من السيطرة على مقادير الحكم في معظم البلدان والتي بدورها انتهجت سلوكا صارما يمنع التعددية ويضيق بالمشاركة الشعبية، يقدس الموروث على حساب التجديد والتنوير، فقد ولد شكوكا في مدى المصداقية في تحقيق العدالة لدى هذه المجموعات ولا توجد ضمانات لاستمرار وجودهم، بل تمادت بعض أنظمة الحكم في مبدأ (فرق تسد) وهو الذي أوجد اتهاما جاهزا لشرائح مختلفة مبنية على الظن وذلك حين يطالبون بأبسط المبادئ الحقوقية فإما أنهم طائفيون "فتنيون" أو شعوبيون مندسون، هذا التجني ومن دون ضوابط للعدالة في الدولة الحديثة خلق مع الوقت جوا من عدم التوازن وشعورا من الغبن في تطبيقات الشعارات الوطنية والمبادئ الحقوقية المنصوص عليها بالدستور، ورسخ في الأذهان العودة الى الاحتماء بالطائفة أو القبيلة، بعد أن رفض عمليا وإجرائيا دستور الدولة كدرع للحماية وضابطا للانتماء الوطني فنتج عن ذلك خلط بين المفهومين وتشابك سلوكي لدى العوام من الأفراد يتحمل مسؤولية ذلك بعض النخب الشعبية الرائدة في عدم تبنيها أهمية دولة القانون والدستور وخللا في قراءة البوصلة الوطنية كي تجعل وشاح الوطن أسمى من القبيلة أو الطائفة بكل فصائلها التي لا يتنكر بعضها من التوجيه الإلغائي في خطابها العام لتستمد منه وقودا تشحن به الساحة لصالحها بمناسبة ومن دون مناسبة·
وبما أننا نعتقد جازمين ونكرر بأن الدولة هي المسؤول الأول والمباشر عن الأوصاف الحقوقية للمواطنين ورعايتها لأنه بيدها تطبيق القوانين كافة وممارسة العدالة الاجتماعية والوظائفية والسياسية والتعبدية لجميع الأطياف في المجتمع، فأي إخلال بمفهوم العدالة حتى لو كان غير مقصود سوف يؤدي الى إيجاد ثقافة لتبرير الانحراف لدى الجماعات المختلفة كما حدث ذلك مع الأحداث الإرهابية الأخيرة·
إن المطالبة بإعادة النظر بتقسيم الدوائر الذي تم منذ العام 1981 وإعطاء فرصة للناخب في اختيار أكثر من خمسة مرشحين على الأقل وزيادة الكتلة الانتخابية وإشراك المرأة وهي حلول مجدية ربما، وإلا·· فإن هذا الوضع يجعل أفرادا من حملة عقد المظلومية بحالة انكسار دائم· والفزعة وما تقتضيه من التحام بحالة استفزاز دائم، وتأكيد التمترس خلف البناء الطائفي الهش والقبلي غير الواقعي وغير المتكامل للاحتماء به! فمن المعيب على مجلس الأمة تبني أي طرح يناقض المبادئ الدستورية والمنظور الوطني بل الأصح هو كيف نستطيع أن نتحرك باتجاه التكامل المؤسساتي والحقوقي للمواطنين؟! وليس التقهقر الى عصر ما قبل الدولة الدستورية وهو ما يريده خصوم الديمقراطية وإن علا شأنهم!
رشفة أخيرة
تفاجأت بتعامل وزير الخارجية الجزائري والأمين العام مع سؤال عادي قدمه أحد الصحافيين فالأول انفعل والثاني رفض الإجابة عن سؤاله مشيرا بيده "مش ح رد عليك"!!
mullajuma@taleea.com |