حين يكون الخصم الفكري أو السياسي جهة لا يمكن الحوار معها، أو الإصغاء إليها، أو حتى السماح لها بالكلام، وحين يكون الخصم على باطل حتى لو صادق على البديهيات فقال إن الشمس تشرق من الشرق مثلاً، وحين يكون اسم الشخص أو هويته أو جنسيته دليلاً على أن كل ما يأتي به باطل لا قيمة له، نجد أنفسنا إزاء أول جذور الفكر الإرهابي الذي سيتحرك في الوقت المناسب لكتم كل صوت آخر، وكل هوية أخرى، وكل وجود آخر·
الفكر الإرهابي إذن أكثر عمومية من هذه الإيديولوجيا أو تلك، فقد يتحول أي خطاب ديني أو غير ديني إلى خطاب إرهابي، والجذر في ذلك قيم نفي الآخر المختلف، ثم محاولة محوه بأي وسيلة، بدءاً من الاغتيال بالكلام والشتائم والتشهير ووصولاً إلى الخناجر والرصاص·
إذا بحثنا عن هذه القيم أو ما يُتخذ لبوس القيم والمسلمات نجده في القيم العنصرية، التي تنظر إلى صنف من البشر على أنه فوق كل الأصناف، وأفضل وأهدى وأعلم، وبالتالي الأحق في قول الكلمة الفصل في كل شيء وفي الهيمنة على المقدرات "والثروات بالطبع" وعلى حاضر الناس ومستقبلهم·
عزل الناس في أصناف دنيا وعليا، سواء تم باسم خطاب ديني أو غير ديني، يعني إقامة سد دون كل حوار أو تفاهم، أو إقامة متراس يقف كل طرف على أحد جانبيه مصوبا بنادقه إلى الطرف الآخر·
وكثيرا ما نشاهد على أرض الواقع كيف تقيم حروب الطوائف والمذاهب المتاريس، وكيف تعزل الناس في حارات وزواريب، ولا علاقة تقوم إلا علاقة النفي المتبادل، أي الإفناء والإبادة بكل معـنى الكلمة·
بالطبع لا يقول العنصري، ولا المتعصب لقوم أو قبيلة أو مذهب إنه عنصري أو متعصب أو فرد مختار، بل يبحث عن أفكار دينية أو بشرية، يتخذها قناعا، فيحول نفسه إلى ناطق باسم إرادة إلهية أو منفذ "لإرادة سماوية"، ويستغرب مثلما استغرب أحد خاقانات المغول من الذين يدينون جرائمه، فرد عليهم بالقول "إن ما يفعله هو عقاب يـنزله بالذين عصوا الخان المرسل من السماء لحكم العالم"·
لا أحد يُخدع بهذه المقولات، ولكن يبدو أنها تتمكن أحيانا من نفوس العنصريين تمكناً لا سبيل إلى الخلاص منه حتى على فراش الموت مثلما حدث مع أحد عنصريي جنوب إفريقيا فقد طلب هذا وهو على فراش موته بندقية، توضع معه في قبره، وحين سئل عن السبب، قال "لا بد أنني سأجد في السماء سوداً، وحينها لابد من اصطيادهم"!· |