على الرغم من تصاعد حوادث السير القاتلة وذات الإصابات البالغة لدينا خلال السنوات القليلة الماضية والتي معظمها بسبب السرعة المتهورة، فإن من لطائف الله سبحانه وتعالى أن رقعتنا محدودة المساحة لا تعرف الطرق الدولية الطويلة السريعة الداخلية، كما هي الحال في بلدان العالم المعروفة بمساحاتها الشاسعة أو البلدان التي هي في ملتقى شبكة طرق دولية مهمة، لكن هذا لا يعني عدم الاهتمام بتكثيف حملات توعية السواق ممن يستخدمون الطرق الدولية في رحلاتهم البرية الى الدول العربية المجاورة عبر جسر الملك فهد سواء سواق الباصات العامة والشاحنات أم سواق السيارات الخاصة، ومن ثم تشديد إجراءات الرقابة الحدودية على مدى توافر احتياطات ولوازم السلامة لدى هؤلاء السواق ومركباتهم ومدى لياقتهم صحيا وعمريا للسياقة الدولية الطويلة·· فكم من حوادث الطرق الدولية تقع خلال العام الواحد يروح ضحيتها سواق بحرينيون وركاب إما بسبب ضعف الخبرة وصغر السن وإما لغياب متطلب أو أكثر من متطلبات السلامة على الطريق بما في ذلك سياقة المركبة في حالة الإجهاد الشديد وقلة النوم·
في أوائل العام الحالي خلصت دراسة أعدتها الرابطة الأوروبية للسيارات الى أن خمسة ملايين سائق في أوروبا معرضون للنوم في أثناء القيادة والتسبب في حوادث بشعة بسبب الإجهاد، كما أشارت هذه الدراسة التي شارك فيها خبراء في المرور وأطباء الى أن الأشخاص المصابين بعدم القدرة على تفادي النعاس في أثناء السياقة غالبا ما يكون جهازهم التنفسي يتوقف مرات عدة في الساعة الواحدة في أثناء نومهم الطبيعي ليلا فيميلون للتثاؤب طوال اليوم التالي والسواق منهم الأكثر عرضة لهجوم النعاس المباغت عليهم في أثناء السياقة·
وهذا هو بالضبط ما حدث في تقديري لسائق حافلة الركاب الكويتية "وافد عربي" لدى عودته الى الكويت من كربلاء حيث داهمه النعاس فجأة في الفجر فاصطدمت الحافلة بالساتر الحديدي لجسر الزبير على بعد 50 كلم من الحدود الكويتية - العراقية فانقلبت مرات عدة وراح ضحية الحادث 16 قتيلا كويتيا وسعوديا و35 جريحا وثبت من التحقيقات أن السائق كان يشكو من صداع في الرأس ويستعمل بخاخا للحساسية والربو·
وكان ركاب السيارة عائدين من تشييع جنازة المرجع الديني الميرزا عبدالرسول الأحقاقي في كربلاء·
وإذا كان هذا هو الدرس الذي يمكن استلهامه من هذا الحادث فيما يتعلق بتشديد قيود وشروط السلامة في المركبات التي تستخدم الطرق الدولية والتأكد من مدى لياقة سواقها فإن ثمة درسين آخرين لا يقلان أهمية يمكننا أن نستقيهما من التعامل الكويتي مع هذا الحادث وكم نحن في أمس الحاجة الى اتعاظهما:
الدرس الأول: يتمثل في الشفافية التي تعامل بها الإعلام الكويتي وعلى الأخص الصحافة مع الحادث سواء من خلال التغطية الواسعة الفورية للحدث بالصورة والتقارير المفصلة وحيث أفرد معظمها صفحات عدة له، أم من خلال النقد الذي مورس من قبل الجميع على اختلاف فئاتهم لأوجه التقصير الرسمية التي صاحبت تداعيات الحادث كغياب التنسيق بين الحدود والطوارئ الطبية وتأخر سيارات الإسعاف لساعات طويلة وتأخر التلفزيون عن متابعة الحادث الى ما يقرب من يوم كامل إلخ·
الدرس الثاني: يتمثل في هذه الروح الوطنية الوحدوية التي يتحلى بها المجتمع الكويتي دولة ومجتمعا عند الشدائد فمع أنه يماثل مجتمعنا في التركيبة الفئوية إلا أن الجميع اهتز للفاجعة وأبدى على الفور مواساته لأهالي الضحايا فبعث رئيس الوزراء صباح الأحمد الجابر في الحال ببرقيات تعاز الى ذوي الموتى وسارع وزير الصحة محمد الجار الله بتفقد الجرحى للاطمئنان على احتياجاتهم العلاجية وكان وزير الأوقاف عبدالله المعتوق في مقدمة المعزين، وكذلك عدد من النواب وعلى رأسهم رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي·
هكذا يفترض أن يتم التعامل مع حياة الناس العاديين والبسطاء التي لا تقل أهمية عن حياة مشاهير الناس·· ومع أن مجتمعنا البحريني متناهي الصغر لكن لننظر كم من ضحايا حوادث الطرق الجماعية وغيرها تفجع بها الناس العاديون داخل بلادنا وخارجها بينما نحن جميعا نفتقد الى مثل هذه الروح الكويتية تجاه بعضنا بعضا!
ü كاتب بحريني |