يجتمع غدا الأحد، الحادي والعشرين من ديسمبر في الكويت قادة دول مجلس التعاون الخليجي حيث تكتسب هذه القمة أهمية بالغة وذلك نظرا لتزامنها مع تطورات إقليمية ودولية حساسة ودقيقة!! وقد توقعت مصادر مطلعة أن تفرض قضية الإرهاب نفسها على القمة الخليجية خاصة بعد التفجيرات التي شهدتها مدينة الرياض أخيرا والتي أسفرت عن مصرع 52 شخصا وإصابة 316 آخرين من جنسيات مختلفة·
وأكدت تلك المصادر ضرورة أن تتمخض عن القمة قرارات خليجية مشتركة باستحداث وسائل فاعلة لتعزيز التعاون الأمني بين دول الأعضاء، وتفعيل الاتفاقية الأمنية الخليجية والتنسيق مع المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب، واستئصال هذه الظاهرة من جذورها!!!!
لقد جاء تشكيل مجلس التعاون الخليجي كردة فعل مباشرة لاندلاع الحرب العراقية الإيرانية، ففي أعقاب مؤتمر الطائف لوزراء الخارجية للدول الخليجية الست تم إعلان مجلس التعاون الخليجي، أي أن الهدف الأول من وراء الإعلان في فبراير 1981 كان هدفا أمنيا بحتا لمواجهة المد الإيراني بثورته الوليدة، وإسناد العراق بوابة الخليج الشرقية آنذاك، واستمر الهاجس الأمني طاغيا فيما بعد على كل "إنجازات" "ومشاريع" مجلس التعاون، فكان أن اتخذ مؤتمر القمة الذي انعقد في الكويت في نوفمبر 1984 قرارا بتشكيل قوات انتشار سريعة مشتركة إقليمية خليجية يبلغ قوامها 6 آلاف رجل تحت قيادة فريق سعودي يساعده ضباط من باقي دول المجلس·
وجاء ذلك بعد أن تقدمت المملكة بسلسلة من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية، وعملت على إقامة قوة عسكرية مشتركة باسم درع الجزيرة وجعلت قيادتها في قاعدة حفر الباطن، وقامت بمناورات عدة مشتركة في 1984-1986·
وقفز حجم موازنات الدفاع في منطقة الخليج من 18,905 مليون دولار في العام 1975، ليصل إلى 50,496 مليون دولار في العام 1987·
ثم يأتي غزو النظام العراقي للكويت لتتكشف على ضوئه محدودية القدرة الدفاعية الخليجية وعدم جدية المشاريع الدفاعية، ثم تبدأ دول الخليج في صياغة رؤية "جديدة" للأمن داخليا وخارجيا بعد أن تبدّل المشهد وتحول فيه عدد اللاعبين وهويتهم لتصبح الولايات المتحدة الأمريكية اللاعب الأول الذي أهلها لتسهيلات عسكرية مفتوحة تُطرح بشكل علني لا لبس فيه من كل دول المنطقة·
من المتوقع أن "مجلس التعاون الخليجي" سيسعى ربما في اجتماعه غدا إلى كتابة الاتفاقية الأمنية بأسلوب جديد يتفق مع الاستعدادات الأمنية الدارجة هذه الأيام لمكافحة الإرهاب والعنف، خاصة بعد الأحداث الأخيرة في المملكة العربية السعودية، وهو بذلك سيتعمد ولا شك إعادة صياغة أخطائه بأسلوب جديد ومختلف، وليصبح بعد أربعة وعشرين اجتماعا ولقاء عاجزا عن تحقيق أدنى قدر من التعاون الملموس على مستوى الشعوب الخليجية وليس على مستوى أنظمتها السياسية وحسب·
إن التعاون الحقيقي بين دول مجلس التعاون لا تحققه الجيوش الدفاعية الجرارة ولا الملايين من الدولارات التي تبعثرها دول المجلس على موازنات الدفاع فيها، وإنما ينبثق التعاون طوعيا حين تجتمع المصالح وتتفق الأهداف على مستوى الشعوب دون أن تتجمد عند قمة الأنظمة السياسية!! يتحقق التعاون حين تصبح التعاملات سهلة، والتنقل مختصرا وسريعا!!
مؤتمر القمة لدول مجلس التعاون سيأتي ويذهب كما غيره من قبل، وسيبقى التعاون الخليجي سطحيا وشكليا لأنه يرفض أن يغوص في التفاصيل الخليجية التي تمهّد للتعاون الحقيقي، ويكفينا أن نذكر هنا أننا كدول مجلس تعاون لانزال وبعد أربعة وعشرين عاما من الاجتماع والبحث والنقاش والتصريحات لا نملك وحدات قياس موحدة تسهل على المواطن الخليجي استخدام أجهزته البسيطة والأساسية حين يتنقل فوق الخارطة الخليجية دون أن يحمل معه محولا لتأمين تشغيلها دون مشاكل، وقس على ذلك عزيزي القارىء كل التفاصيل الأخرى التي تعيق الاندماج الخليجي وبالتالي التعاون على مستوى القمة·
suad.m@taleea.com |