رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 26 شوال 1424هـ - 20 ديسمبر 2003
العدد 1607

على فرنسا وروسيا وألمانيا أداء استحقاقات مواقفها السابقة
ماراثون كوني لإعادة إعمار العراق
حميد المالكي
hamid@taleea.com

في سباق وصراع وتنافس لا نظير له منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأ منذ سقوط نظام صدام ماراثون كوني لإعادة إعمار العراق، فالجميع يعرض خدماته ومهاراته وأمواله وبضاعاته وعمولاته (العمولات بخور العقود) وهي كالمراسم الدبلوماسية التي يطلق عليها بخور العلاقات الدولية·

العراق مخرب، العراق مدمر، بنيته التحتية متهالكة طرق، جسور، موانئ محطات كهرباء ومنشآت نفط ومستشفيات، وشبكات مياه وصرف صحي، أهواره متصحرة، ومعامله متوقفة، ومؤسسات اتصالاته معطلة، وقبل هذا وذاك وغيره الإنسان العراقي نفسه الذي يعاني من انفلات الأمن، والآثار النفسية وأبرزها عقدة الخوف والرعب التي زرعها ورسخها صدام في عقل كل مواطن·

كل ذلك صحيح، والدول التي تسعى لإعادة إعماره وتحقيق أرباح ومكاسب اقتصادية ومزايا وامتيازات طويلة أم متوسطة أم قصيرة لا يهمها من يحكم العراق وكيف يحكم بل هي تسعى للربح وتسويق ما لديها، وهي كانت كذلك في عهد صدام حينما أغرقها بالأموال السخية مقابل مواقف سياسية بائسة لدعم سلطته وإبقائه يزهق المزيد من الأرواح ويهدر المزيد من الثروات، ويرهن سيادة العراق ويعبث بحقوقه وكرامته وفي مقدمة تلك الدول روسيا وفرنسا وألمانيا التي دافعت عن بقاء صدام حتى النفس الأخير طمعا بالصفقات والأموال، وليذهب شعبنا الى الجحيم، والآن هي نفسها التي تقاتل من أجل عقود وصفقات إعادة الإعمار دون وازع أخلاقي ودون أن تعتذر لشعبنا على مواقفها المخزية في دعم إبقاء صدام وعصابته الدموية، ودون أدنى اعتبار لمطالب شعبنا ومناشدات وبيانات المعارضة العراقية قبل إسقاط النظام وتحذيراتها من أن أي عقود واتفاقيات وامتيازات ستكون لاغية بعد سقوط النظام وأنها سوف تستبعد من عقود إعادة الإعمار إذا بقيت على مواقفها تلك، ولكنها لم تعر أي اهتمام لنا بسبب قصر النظر السياسي وبسبب الهوس والجشع ومحاولة التهام أي شيء وليكن ما يكون (بيضة اليوم ولا دجاجة الغد!) كما يقول المثل الشعبي·

ولم تكتفِ بذلك بل راحت تتجسس على المعارضة العراقية وهذا ما كشفت عنه الوثائق التي عثر عليها في مبنى وزارة الخارجية العراقية حيث كان هناك تعاون أمني بينهما وبين النظام ضد المعارضة وحتى عندما كانت تصدر المواد الغذائية والطبية الى العراق بموجب برنامج النفط مقابل الغذاء أو بموجب الصفقات المباشرة بين أركان النظام وشركات تلك الدول فقد كانت غالبية تلك المواد فاسدة، وغير صالحة للاستهلاك البشري وسببت حالات وفيات وتسمم وأمراضاً وأوبئة خطيرة ومزمنة وكانت تبيعها بأسعار مضاعفة والنظام كان مرتاحا لهذا الوضع ما دامت تدافع عنه، وتعترض على إطاحته·

نحن لا ندعو بلادنا الى الانغلاق على تلك الدول فعلاقاتنا بها في جميع الأحوال مع شعوبها وهي علاقات تضامن متبادلة وتنسيق وهي مشاركة لنا في صراعنا مع الدكتاتورية، إنما موقفنا من الحكومات، ومع ذلك فإن العلاقات ستستمر وفقا لمبادئ العلاقات والمنافع المشتركة والمتبادلة، ولكن قبل أي شيء عليها أن تؤدي استحقاقات مواقفها السابقة كالاعتذار والانضمام الى الدول المانحة للمساعدات المالية ومع ذلك كله فلن تحظى بالأولوية والأفضلية في عقود إعادة الإعمار، وهذا الموقف ليس جديدا فقد أكدناه لها قبل سقوط نظام صدام واستنفدنا كل السبل من أجل أن نثنيها عن الارتهان للنظام الإرهابي والوقوف مع شعبنا واحترام إرادته في إسقاط النظام البائد·

 

وللعراقيين حصة كبرى··· ولكن؟!

قد يظن البعض من قائمة الدول التي نشرت والتي يحق لها التعاقد على مشاريع إعادة الإعمار ومن خلال متابعته للماراثون الكوني آنف الذكر، فإن العراقيين لا يملكون أموالاً وليس باستطاعتهم الاستثمار في مشاريع عملاقة بينما الحقيقة غير ذلك تماما فبالإضافة الى الأموال والأصول غير المنقولة التي يملكها التجار والصناعيون العراقيون، هناك مئة مليار دولار لدى رجال الأعمال العراقيين المقيمين في خارج العراق حيث تعتبر الجالية الآشورية الكلدانية مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية والتي يقدر عددها بربع مليون نسمة من أغنى الجاليات إضافة الى المستثمرين والمصرفيين العراقيين في كل أنحاء العالم، وتلك الأصول المالية العراقية من المؤكد أنها ستعود الى العراق وستشترك وبشكل تلقائي في مشاريع إعادة إعماره وستستوطن العراق بلدها الأصلي وسيبقى العراق سوقا ومساحة هائلة للبناء والإعمار والاستثمار والتجارة وباستطاعتها امتصاص أية أموال ومهما بلغت في إعادة بنائه وتطويره وتحديثه·

ولكن الخشية من الطبقة المليارديرية التي نشأت في كنف نظام صدام وكانت تشكل قاعدته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، حيث نشأت تلك الطبقة التي تقدرها المصادر بـ 26 ألف مليونير وملياردير، وأموالها تراكمت باستغلال ظروف الحروب والحصار والتهريب والمنح الخيالية التي منحها النظام لها من أموال شعبنا، ومن معامل ومصانع ومنشآت القطاع العام التي استولت عليها ومن استيراد المواد الغذائية والطبية الفاسدة ومن المضاربات والسوق السوداء والعمولات والواسطة والسمسرة وهذه الطبقة ليس لديها مانع أن تتحالف مع القوى الاقتصادية الخارجية لتدمير الاقتصاد الوطني والرأسمالية الوطنية كونها طفيلية، وعقيدتها غير وطنية وهمها الجشع والربح السريع وهي مثلما راكمت ثرواتها على حساب موت وجوع وخراب العراق والعراقيين، ودعم الدكتاتورية ومناهضة قوى المعارضة العراقية والوقوف ضد أي تغيير فإنها اليوم كذلك لن يتغير فيها شيء وستكون أسوأ من ذي قبل وأكثر جشعا واحتكارا وانتهازية وخيانة للشعب والوطن·

 

قانون من أين لك هذا؟

لعلاج هذه المشكلة فإن على السلطات أن تشرِّع وعلى وجه السرعة قانون (من أين لك هذا)؟ حتى يعرف الجميع من أين حصلت تلك الطبقة على هذه الأموال والأصول المنقولة، وغير المنقولة ومصادرة الأموال والممتلكات التي حصلت عليها بشكل غير مشروع وهي فعلا كذلك لأنها تحققت في ظل نظام يصفي جسديا كل من لا يتفق معه ويؤيد سياساته وينخرط في إرهابه وفي ظروف استثنائية: حروب وحصار، وفساد إداري ومالي أصبح علنيا ومحدد الأسعار لكل معاملة، ولكل مقاولة، ولكل ممارسة استثمار، ولكل عملية تهريب ولكل صفقة لصوصية وبالتعاون مع "مافيات" دولية ومكاتب وشركات وهمية·

 

قصة حقيقية تنشر للمرة الأولى·· أغرب من الخيال!

وللدلالة على سيطرة النظام على تلك الطبقة كونه هو الذي أنشأها نورد القصة التالية: أحد التجار الأثرياء جدا في العراق طلب منه عدي صدام حسين مبلغ خمسين مليون دولار وحالا كتب له شيكا بذلك المبلغ، وبعد شهر تقريبا عاد عدي وطلب خمسين مليوناً أخرى لكن التاجر (ب· ن) "لا نود ذكر اسمه دون إذن عائلته" ذهب فورا الى القصر الجمهوري وطلب مقابلة صدام ليشكو له ابنه عدي ونظرا للعلاقة الوطيدة بين التاجر وصدام ويقابله دائما دون معوقات، ومعروف جيدا لدى حراس القصر فقد أخبروه بأن الرئيس غير موجود في القصر وسيجده في تكريت· ودون تأخير ذهب التاجر الى تكريت وهناك قابل صدام الذي دهش وغضب لأن حراس القصر قد دلوه على مكان وجوده لكنه أخفى غضبه ودخل الى غرفة مجاورة لبعض الوقت ثم عاد وخاطب التاجر: اكتب شيكا بخمسين مليون دولار لعدي وخمسين مليون دولار أخرى لنا لأننا سوف ندفع دية لذوي خمسين عنصرا من حراس القصر الذين أرشدوك الى مكاننا والذين أعدمناهم قبل قليل ففعل التاجر وكتب الشيكين·

لكن صدام لم يتركه لحاله بل أصدر أمرا بتصفيته جسديا بعد أسبوع واحد فقط من هذه الواقعة فتم تدبير حادث سير له عند توجهه في الطريق الى الأردن ودعمت سيارته سيارة لوري حمل كبيرة وبعد أن تأكد فريق الاغتيال من وفاته تركوه مضرجا بدمائه·

 

العجيبة العراقية التاسعة!!

الإهرامات المصرية، حدائق بابل المعلقة، برج بابل، تمثال زيوس، تمثال كولوسوس البرونزي، معبد أرتيميس، ضريح هاليكارناسوس، منارة الاسكندرية، هذه العجائب الثمانية هي ما ذكرها التاريخ ووثقها علماء الآثار وتم تدوينها في الملاحم التاريخية وأصبحت مثلا مشاعاً·

لكن العجيبة التاسعة قد فرضت نفسها وبقوة واستحقاق بعد سقوط نظام صدام وما زالت تتفاعل في الضمير والوجدان وتسكن تضاعيف الجسد العراقي مانحة إياه العزم والقوة إذ لم يشهد التاريخ أن بلدا تنهار فيه جميع مؤسسات وأجهزة الدولة لكن شعبه ذي الأعراق والقوميات والطوائف واللغات الكثيرة لم يتأثر أو ينهار بل بقي متعايشا بسلام متجانسا، متعاونا ومتكافلا ومتراصا كما كان!!

هذه الحقيقة العجيبة أذهلت العالم وأصبحت معها عجائب العالم الثماني مجرد أشكال تتراقص بين أيدي الصبايا والأطفال·

انهارت الدولة، احترق أرشيفها، وسرقت آثارها وما خلفته الحرب من مآس وخسائر، وقذف نظام صدام في شوارعها وأزقتها آلاف القتلة واللصوص، وبقيت عناصر النظام طليقة تفعل ما تشاء، ونادرا ما يخلو بيت من سلاح وأغلب قادتها ما زالوا في الخارج، ومع ذلك كله بقي الناس كما هم يسودهم التآخي والتآزر والتعاون والسؤال: ما سر ذلك؟! الجواب لأن شعبنا يمتلك موروثاً حضارياً هائلاً وتراكماً وقائعياً لا نظير له ولأن التاريخ الإنساني والمعرفة الإنسانية بدأتا من أرض الرافدين، ذلك ليس ادعاء أو مبالغة بل هو موجود ميدانيا ومثبت بتفاصيله في شهادات ودراسات وبحوث وأطروحات الأولين والآخرين، فالتاريخ الإنساني برمته بدأ من سومر·

إذا لا خوف على العراقيين، ومستقبلهم سيكون زاهرا مزدهرا وستكون بلادهم مفتوحة لكل الناس الشرفاء ولكل من يبحث عن الأمان والرزق الحلال فهي أرض ملحمة "كلكامش" أقدم ملحمة عرضتها حضارات العالم القديم والجديد والتي تتبوأ مكانتها اليوم في الأدب العالمي كلؤلؤة مشعة بين الملاحم وكانت ولا تزال تنتج المزيد من النتائج المهمة على الساحتين الفكرية والإبداعية ولن تستنفد بل تتجدد باستمرار وتمنح العطاء الى الأبد·

ذلكم هو العراق وشعب العراق وتلك العجيبة العراقية التاسعة بامتياز، إنها أعجوبة ولو لم تكن لكانت تلك هي الأعجوبة!

hamid@taleea.com

�����
   
�������   ������ �����
الذكرى 94 لصدور "برنكيبيا ماتيمانيكا"
برتقالة الدكتور مصطفى جواد!
الانتخابات العراقية·· مفتاح العملية الدستورية
أول بيان يرسي قواعد جديدة وثابتة بين البلدين
قراءة عراقية في البيان الكويتي العراقي
بمناسبة ذكرى الغزو الغاشم
قراءة في وثائق الدبلوماسية الكويتية
الفضائية الكويتية صوت العراقيين الذين لا صوت لهم
الفضائيات العراقية تكسر احتكار الفضاء
محاكمة صدام حسين والقضاء المستعجل
وثيقة تنشر للمرة الأولى
صدام حسين أمام محكمة الشعب عام 1959
نساء العراق بريئات من صدام حسين
دفاعنا عن الكويت يعني دفاعنا عن الحقيقة
نداء عاجل
فشلت المؤامرة وانتصر العراق
الوحدة وتسليم السلطة في العراق
أضواء على التعداد العام في العراق
خطوة كويتية جديدة باتجاه العراق
انتصار الرياضة العراقية
المواطنية والوطنية والولاء
أضواء على مهمة الأخضر الإبراهيمي في بغداد
أطروحتان لمساعدة الشعب العراقي
الاستثمار الكويتي في العراق
حدث تاريخي بارز في الحياة السياسية الكويتية
الذكرى الرابعة لندوة مستقبل العلاقات الكويتية العراقية
قراءة من منطلق رؤية فيزيائية فلسفية
كيف وإلى أين يسير الوضع في العراق؟
  Next Page

صادوه ·· صادوه ·· صادوه !!:
بدر عبدالمـلـك*
فرحة بلاد الرافدين:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
قمة التفاصيل الخليجية!!:
سعاد المعجل
منع التحولات الاجتماعية يحرض على اصطدام الطبقات:
ناصر يوسف العبدلي
هل محمد بن راشد نموذج للقيادة المطلوبة ؟:
م. مشعل عبدالرحمن الملحم
تعديل الدوائر الانتخابية:
المحامي نايف بدر العتيبي
الدوائر الانتخابية·· احسموها كفاية:
عامر ذياب التميمي
الدوائر الانتخابية!:
عامر ذياب التميمي
أيــن العـــرب ؟!:
د. محمد حسين اليوسفي
قبل أن تقرأ المقال!!:
عبدالله عيسى الموسوي
مؤتمر وطني للحوار بين توجهين سياسيين مختلفين: الليبراليين و الإسلاميين:
خالد عايد الجنفاوي
العلاقات المصرية الإيرانية:
د. جلال محمد آل رشيد
على فرنسا وروسيا وألمانيا أداء استحقاقات مواقفها السابقة
ماراثون كوني لإعادة إعمار العراق:
حميد المالكي
البحرين·· وحادث الباص الكويتي:
رضي السماك
عن أي ديمقراطية يتحدثون؟!:
عبدالمنعم محمد الشيراوي
أيكم أحسن عملا ···
الطالباني نموذجا:
نزار حيدر
متابعة لشؤون المال العام
ماذا يحدث في وزارة الإعلام؟:
عبدالحميد علي