القمة "المباركة" التي تمت في جنيف، نتمنى أن يتم "ختمها" بختم السفير المصري في طهران، والإيراني في القاهرة، وهي بداية صحيحة نتمنى لها استمرارا أصح·
ليس من المعقول أن تكون دولتان متحضرتان وكبيرتان ومسلمتان في غالبية سكان كل منهما مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية مصر العربية دولتين لا علاقة دبلوماسية كاملة بينهما، وهذه مسألة تثير أعصاب وتساؤلات أي غيور على مصالح البشر المستضعفين عموما، والعرب والمسلمين منهم خصوصا، ولا سيما عندما تكون الدولتان كلتاهما غنيتين في مواردهما الاقتصادية، ولكن الأنظمة الاقتصادية المعمول بها في العالم تجعلهما تبدوان أقل غنى من واقعهما، بسبب التقييم بالعملات التي تسمى "صعبة"، ونظن أن "أسياد" العالم يسمون عملاتهم هم فقط صعبة لكي يجعلوا باءهم تجر·· وباؤنا نحن لا تجر·· ولا تنصب ولا ترفع!!
من الجميل جدا أن تكون القمة الإيرانية المصرية في جنيف قمة محضرا لها على نحو جيد كما ذكرت الصحافة، حيث كانت هناك لجنة مشتركة شكلها وزيرا خارجية البلدين ترأسها مندوباهما في الأمم المتحدة تدارست الملفات العالقة بين البلدين الكبيرين، حيث "تمكنت" اللجنة من الوصول الى حلول مرضية للطرفين إزاء تلك الملفات، وذلك يجعل المراقب يكوّن قناعة مفادها أن الأمور يتم حلها بطرق مسؤولة سياسيا، وعلى أسس علمية رصينة، مما يكسبها الثبات والديمومة والاستقرار·
العلاقات المصرية الإيرانية يمكنها أن تتطور سياسيا حتى مع اختلاف رؤية الدولتين، التي قد تبدو جذرية، إزاء الملف الفلسطيني فمصر التي ترى إمكانية التعايش مع "إسرائيل" وتقاسم الأرض معها وصولا للسلام، وإيران التي ترى أن الأرض إنما هي أرض فلسطينية بالكامل، فهي بالتالي ملك للفلسطينيين وحدهم·· يمكنهما معا أن يتعاونا سياسيا حتى إزاء الملف الفلسطيني الحساس نفسه، فالموقف الإيراني، ومع أنه متناقض تماما مع الموقف المصري تجاه الملف الفلسطيني، إلا أنه مفيد للموقف الفلسطيني المفاوض ولداعمه المصري على نحو استثنائي مطلق·
فمن المعروفة سياسيا، أن أي طرف متفاوض لن يتمكن من تحقيق أي مكاسب سياسية ذات بال إذا كانت مطالبه متواضعة منذ اللحظات الأولى للتفاوض، وبذلك فإن وجود أطراف عربية أو إسلامية تطالب "بكل" حقوقنا المغتصبة في فلسطين يعد أمرا مفيدا فائدة مباشرة لكل الأطراف العربية والمسلمة القابلة بفكرة التفاوض ونصف الحقوق، أو الرافضة له أملا في كل الحق لاحقا، وذلك لأن من يريدون السلام، الذي لا أؤمن شخصيا به ولا بنوايا الإرهابيين القتلة الصهاينة إزاءه، سيستفيدون تفاوضيا استفادة جوهرية لتعزيز مواقفهم التفاوضية التي يريدونها، ومن الجهة المقابلة، سيستفيد من لا يريدون ذلك السلام بسبب طموحهم المشروع في تحرير كل الأراضي المغتصبة آجلا، وذلك لأنهم سيكونون واضحين منذ الوهلة الأولى بأن العدو الذي سرق مني شيئين ثمينين معا·· لن أكافئه على إجرامه بالتنازل للمجرم السارق عن واحد منهما ضمانا لنصف حقوقي أو أقل، ولا سيما أن ذلك سيعد سابقة دولية قد تتكرر في بقاع أخرى من العالم·· العربي أو غيره·
وبعيدا عن تفاصيل هذا الخلاف الذي هو موجود بين رأيين موجودين في العالم العربي والعالم الإسلامي عموما، بعيدا عن الرأي المصري أو الإيراني إزاءه، إلا أن التعاون - عمليا - ممكن جدا إزاء هذا الملف الشائك ذاته·
أضعف الإيمان، حتى مع افتراض عدم رغبة الجانبين الإيراني والمصري أو أحدهما في التعاطي الثنائي للملف الفلسطيني، مع أنني شخصيا ضد فكرة عدم التكامل المصري الإيراني فلسطينيا، لا بد للمصريين والإيرانيين أن يقيموا تعاونا اقتصاديا ثنائيا أساسيا بينهما يقوم على تبادل السلع الأساسية التي ينتجها كل من الطرفين مما لا يتوافر لدى الطرف الآخر إلا باستنفاد عملته الصعبة، مما ينعكس بالفائدة المباشرة على الشعبين ويحافظ على ما يمكن المحافظة عليه من العملة "المذيلة" الصعبة·
أهم ما في هذا الموضوع، هو أن أي طرفين متحضرين عاقلين، لن يحتاجا الى نصح في الأمور الحساسة ذات العلاقة بمصالح شعبيهما المفصلية·
drjr@taleea.com |