يثير تشابه سيناريو سقوط صدام ونتائجه اللاحقة مع سقوط اثنين من دكتاتوريي أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر الكثير من الأسئلة حول ما يمكن أن يحدث لاحقا في العراق في ضوء المتغيرات السياسية والاجتماعية الحالية فبعد سقوط شارلز الأول ملك إنجلترا (1649 - 1600) وسقوط لويس السادس عشر ملك فرنسا (1793 - 1754) تمّت عمليات مشابهة لما حدث ويحدث في العراق حاليا من تصفية الحسابات والانتقام من مؤيدي الحكم السابق إما بقطع رؤوس الكثير منهم كما حدث في فرنسا عام (1799 - 1789) أو إجلاء الكثير من مؤيدي حكم شارلز لفرنسا ودول أوروبا الأخرى بعد أن أعدم الملك، ففي العراق تم ويتم حاليا تصفية الكثير من الحسابات السابقة مع مؤيدي صدام وما يطلق عليهم بأعوانه، فلقد تم قتل البعض منهم وأما الآخرون، كالصحّاف وغيره، "أتيحت" لهم الفرصة للهرب بجلودهم والهجرة خارج العراق سواء إلى دول المنطقة أو أوروبا، ولكن ما هو مثير للاهتمام أيضا هو النظر فيما سوف يحدث في المستقبل (نركز على تشابه هذه الأحداث التاريخية ليس لإعطاء انطباع أن التاريخ "يتكرر"، فلقد تجاوز الكثير منا هذا النوع "البريء" من النظر التقليدي "لتطور" التاريخ، ولكن لنعطي قراءة متواضعة لما يمكن أن يحدث مستقبلا إذا وجدت عوامل سياسية واجتماعية متشابهة·· انظر New Historicism)·
بعد أن سقط لويس السادس عشر، حكمت فرنسا خلال فترة قصيرة من الزمن من قبل مجموعات سياسية ثورية تقاتلت فيما بينها للسيطرة على الجمهورية الفرنسية الوليدة وتم تكرار المشهد الثوري نفسه الذي حدث عند الإطاحة بلويس عندما قامت هذه الجماعات المتناحر بالثورة على "النظام" أو المجموعة السياسية السابقة "وجزّت" رؤوس الكثير من قادتها المطاح بهم عن طريق المقصلة الفرنسية المشهورة ولم تتح فرصة للمقصلة الفرنسية للارتياح بعضا من الوقت إلا عندما قام نابليون بنسف منجزات الثورة الفرنسية (حقوق المواطن) من أساسها عن طريق تنصيب نفسه إمبراطورا لفرنسا! أما في إنجلترا فالوضع قد اختلف بعض الشيء أي أنه بعد الإطاحة بشارلز الأول، عن طريق قطع رأسه كما حدث مع لويس السادس عشر، سيطر البرلمان الإنجليزي على الأمور السياسية بعضا من الوقت حتى نهض أوليفر كرومويل " وكان عضوا في البرلمان عن منطقته آنذاك" وقام بتعيين نفسه حاكما عسكريا لإنجلترا، ما ميّز كرومويل ونابليون وحتى المجموعات السياسية المتناحرة السابق ذكرها عند نزعهم بالقوة الحكم من السابقين، أنهم غالبا ما سارعوا لإعلان الحرب على الدول المجاورة فكرومويل أسال الكثير من الدماء في إيرلندا بعضا من الوقت ونابليون أشعل أوروبا بحروب دامت طوال فترة حكمه الدكتاتوري·
ربّما لن تحدث جميع هذه الأمور السابق ذكرها في العراق، كقيام دكتاتور آخر بالسيطرة على الحكم في آخر الأمر، أو قيام من يسيطر على الحكم بإعلان الحرب على دول الجوار، مادام الوضع كما هو عليه الآن من سيطرة الولايات المتحدة على الوضع السياسي والعسكري في العراق، ولكن العوامل السياسية والاجتماعية التي وجدت في إنجلترا القرن السابع عشر وفرنسا القرن الثامن عشر وموجودة حاليا في العراق، فقادة الثورة في فرنسا وكرومويل في إنجلترا ما باتوا يريدون اجتثاث الإرث السياسي السابق في أسرع وقت ممكن دون إتاحة الفرصة لمجتمعاتهم المعنية لكي تتطوّر تدريجيا فلقد رأى الثوار الفرنسيون أن أفضل طريق للمحافظة على "منجزات الثورة" هو نشرها في محيطهم الإقليمي! (أما في إنجلترا، فلم يتقبّل الكثير من الشعب الإنجليزي التزمت البيوريتاني لكرومويل)، إضافة إلى ذلك، فلقد أصيب المجتمعان الإنجليزي والفرنسي آنذاك بما يشبه الصدمة الثقافية أو الإحساس بالفراغ الثقافي من جراء تخبط أيديولوجيات الحكام الجدد، إنه من المرجح إن استمر الوضع كما هو عليه في العراق حاليا من الإصرار على رحيل الولايات المتحدة دون وضوح الرؤية الكاملة للوضع السياسي المقبل، فسوف تؤول الأمور للأسوأ·
kaaljen@taleea.com |