أن يقبل أحدنا التعميمات الفاقدة للشفافية الموضوعية والشتائم التي بدأت تتساقط من كل صوب ناعتة القوات الأمريكية بأشنع الصفات هو أمر غير معقول، فما فعلته "حفنة" من جنود الاحتياط الأمريكيين في "أبو غريب" لا يجب أن يغيّب مطلقا حقيقة أن هذه التصرفات لا تعكس سوى الانحدار الأخلاقي لهؤلاء الأشخاص المعينين ولا تعكس مطلقا الصورة العامة للقوات الأمريكية·
فعندما بدأت القوات العراقية الغازية الاستسلام بالآلاف لقوات المارينز الأمريكية في أثناء حرب تحرير الكويت تم تجميع بعض الأسرى في موقع موقت لحين وصول الشاحنات لنقلهم لمكان آخر، جنود المارينز الذين أنيطت بهم مهمة حراسة الأسرى العراقيين لم يبدؤوا بتقييد أيدي هؤلاء الأسرى العزل وإطلاق النيران عليهم كما فعل جنود الطاغية العراقي مع أسرانا وشهدائنا ولم يضربوهم بالسياط كما كان يفعل البعثيون في العراق مع المواطنين العراقيين بل على العكس بدأ جنود المارينز هؤلاء يلقون ما تبقى معهم من وجبات الطعام الجاهزة (Mre Meals) للأسرى العراقيين·
في تلك الفترة كنت أعمل كمترجم مع هذه القوات، فاقترب مني أحد الجنود الأمريكيين وأوضح لي أنه توجد وجبات طعام أخرى زائدة في المعسكر ولكنها تحتوي على لحم الخنزير قال لي الجندي الأمريكي "اسأل هؤلاء الأسرى إن كانوا يأكلون هذا الطعام" رددت عليه قائلا: لا أظن أنه يمكن أن يتناوله هؤلاء الأسرى لأنه يحتوي على لحم الخنزير، ولكن دعني أجرب وأسألهم" ذكرت لبعض الأسرى العراقيين ذلك، وإن كانوا لا يزالون يرغبون بهذه الوجبات فكانت إجابة الكثير منهم بأنه حتى لو كان هذا الطعام يحوي لحم "جلب··· أنريده!"·
إنما أتيت بهذا المثال لأوضح نقطة مهمة في أن ذلك الجندي الأمريكي كانت لديه "الحساسية الثقافية" لإدراك أن الأسرى العراقيين كمسلمين لا يمكن أن يأكلوا لحم الخنزير·
ما فعله بعض المنحرفين في سجن أبو غريب أو غيره من المعتقلات لا يعكس مطلقا سلوك أغلبية القوات الأمريكية، فتاريخ الجيش الأمريكي الممتد لقرون عدة أنظف ألف مرة من تاريخ عصابات صدام التي تمتعت سابقا بسلخ جلود مناوئيها بالسياط وإذابتهم بالأسيد، لا بل كانت المخابرات العراقية تصور اغتصاب أقارب المعارضين السياسيين العراقيين وترسلهم لهم "كهدية من الريس!" وشتان بين ما كان يحدث لزمرة صدام هؤلاء من الاستمرار في العيش الرغيد وبين ما سوف يواجهه منحرفو أبو غريب الأمريكيون من محاكمات عسكرية صارمة وعلنية أيضا!
kaaljen@taleea.com |