العمل التطوعي في الاتحادات والنقابات والجمعيات عمل لا شك يمثل بالنسبة الى مشتغليه تميزا معنويا وخدمة يقدمها العضو لمجتمعه وفيه يحس الإنسان بقيمته وقدرته على التضحية من أجل الآخرين وتحمل مشاق هذا العمل الذي لا مردود ماليا من وراء القيام بأعبائه ومهامه، فالفرد عندما ينخرط بهذا المجال - وأقصد هنا العمل النقابي العمالي بالتحديد - يتعرض للكثير من الضغوط وحرق الأعصاب والانشغال عن أسرته والمحيطين به، وتركيز جل وقته وجهده للبحث في مشاكل ومطالب العمال، والعمل على إيجاد الحلول لها، لكن ما يخفف من شدة كل هذه المصاعب هما التقدير والمحبة اللذان يلاقيهما عضو النقابة من أعضاء الجمعية العمومية، كما أن الصداقة والرفقة الطيبة التي تربط بين رفاق الدرب هي المكسب الحقيقي الذي يعتبر بمثابة الوقود للتحرك والاستمرار والتضحية، والذي بسببه يستمر العطاء وتنمو النقابة ويتطور العمال وتتحقق مطالبهم العادلة ويسعد عضو النقابة عندما يرى الوضع قد تحسن وأن جهوده وباقي زملائه قد أثمرت في خلق أوضاع أفضل للعمال الذين يمثلونهم·
عند انخراطي بالعمل النقابي في منتصف الثمانينات وجدت نفسي بين زملاء يفوقونني بالخبرة والتجربة والحكنة والقدرة ولم أكن وقتها أمتلك من الأسلحة السلمية سوى اندفاعي وإخلاصي في الدفاع عن حقوق العمال الذين كلفوني باختياري عضوا في مجلس إدارة النقابة، لكن النيات الصادقة والمخلصة وحدها لا تكفي لتحقيق طموح وآمال العمال والهدف من وجودي لكن زملائي لم يتركوني فقدموا لي النصح والتدريب النظري والعملي وتم صقل موهبتي المتواضعة واستطاعوا أن يحركوا ما بداخلي بالتوجه نحو الهدف وكيفية الحصول عليه بالطرق المشروعة·
اليوم نلاحظ أن كل المبادئ والأهداف التي قامت من أجلها النقابات قد تلاشت كما أن العمال قد تغيروا وتبدلوا بفعل الوضع الاستهلاكي السائد وتحسن الأجواء المحيطة ببيئة العمل وبعض الامتيازات التي حصل عليها العمال نتيجة لعمل وجهد وتضحية الزملاء النقابيين السابقين، فعندما تقل معاناة العامل "ولا تنتهي" يستكين ويسترخي ولا يعود يهتم بمن يصل الى النقابة أو بمعنى آخر لا يكلف نفسه عناء البحث عن الأفضل عند الاختيار اعتقادا منه بأن مشاكله وهمومه قد زالت، لكنها قدتعقدت من حيث لا يدري فيختار أعضاء نقابته لاعتبارات قبلية أو عائلية أو طائفية وكثيرا لاعتبارات العلاقات الشخصية والمعرفة دون أن يكون الهدف إيصال مجلس إدارة نقابة قادر على التعامل مع قضايا العمال بصدق وإخلاص، كما أن ظهور بعض العمال الانتهازيين بسبب الأجواء السائدة الآن التي تعتبر بيئة خصبة لهم جعلتهم يتجرؤون على طرح أنفسهم ممثلين للعمال وفي كثير من الأحيان ينالون ثقة العمال ويصعدون السلم الوظيفي على أكتافهم رافعين شعار الكذب والنفاق وعدم الحياء التي توصلهم لمبتغاهم ويبقى الجادون والمخلصون لا صوت لهم في ظل التخلف والانحدار والفساد وغياب المبادئ التي نعيشها اليوم ولم يبق من العمل النقابي اليوم سوى إقامة دورة كرة قدم أو تنظيم رحلة أو إقامة غبقة رمضانية أو توزيع روزنامات·
nayef@taleea.com
|