رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 15 شعبان 1424هـ - 11 اكتوبر 2003
العدد 1598

هل المثقـف الكـويتي معزول عما يـدور حوله؟
Ivory tower Syndrome!
خالد عايد الجنفاوي
kaaljen@taleea.com

مما يثير القلق هذه الأيام، والتي أصبح فيها حضور الأصوات السياسية المتشنجة طاغيا في الساحة الكويتية، هو غياب صوت المثقف الكويتي الهادئ· هذا الصوت الغائب نسبيا، وإن كان بعيدا كل البعد عن المشاركة أو الانخراط في الحفلة المستمرة من الصراخ المتبادل والتي صرت آذاننا منذ نهاية الانتخابات البرلمانية، لكنه أيضا يبدو بعيدا عن إنجاز مهمتة كمثقف· نعترف هنا بأن هناك أصواتا ثقافية تغذي النقاش الحالي بنظرتها الثاقبة، وصوتها الهادئ، ولكننا نطلب المزيد· نحن نتمنى أن يكون ابتعاد بعض المثقفين ابتعادا ترفعيا عن المشاركة العقيمة فيما يدور حاليا من نقاش تدميري لا نفع منه في آخر المطاف، ولكننا نعلم غير ذلك·

نعني بالمثقف الغائب هنا الأدباء والأديبات والنقاد الكويتيين، بشكل خاص، والمبدع الكويتي بشكل عام، والذين أغنوا وما زالوا يغنون الساحة الثقافية الكويتية بإنتاجاتهم الأدبية والجمالية· من إحدى علامات أو أسباب غياب هذه الطبقة الثقافية من الساحة هو فقد الكثير منهم على ما يبدو "للالتزام" تجاه ما يدور في هذا البلد من تحد صارخ لأبسط حقوق الإنسان (حرية التعبير) وتعد غير عقلاني على المكتسبات الدستورية·

نعني "بالالتزام" هناCommitment ، أو الالتزام السياسي للمثقف "عن طريق ربط المنتج الأدبي والجمالي بما يجري على أرض الواقع·"  من هذا المنطلق، لابد لنا من التذكير هنا بأن "الهجمة  الفرنسية النقدية /الأدبية Deconstruction"  قد بدأت تضعف منذ زمن طويل! لا بل "نجازف" و ندعي هنا أن علامة  الحداثة هذة Postmodernity  قد بدأت تهرم منذ مدة طويلة، ولم تعد تثير اهتمام المثقف بشكل عام· فبطبيعة الحال ما بدأ "كجنين"  الرأسمالية المفضل قد ولد أصلا مفعما بالزوال التدريجي self-destructive entity !  فالصور الجمالية المتفرقة /المتناقضة، أو المرايا المتشطرة العاكسة وغير العاكسة، أو أتباع الأسلوب الكتابي الحداثي pastiche وكبسولات حداثية أخرى لم تعد "تنعش" المثقف الملتزم· فقد نزل "الجماعة" منذ زمن طويل من عروشهم العاجية، لا بل قد نزلوا من تلك العروش قبل أن يبدأ السياب وغيره من السابقين من شعراء الحداثة يهتمون بهذه الظاهرة في الستينات· لم يعد هناك وقت للتذمر من "سوء حالة هؤلاء البشر" بل بدأ عصر الانخراط في الحياة العامة بشكل كامل· هذة ليست محاولة للتعميم أو النقد للنقد فقط ولكن هي مقارنة/مناقضة بين الوضع الثقافي في الكويت وما يجري حاليا في دول أخرى·

الكثير من المثقفين في الغرب، جنوب أمريكا، وآسيا قد أدركوا أن إحدى مهامهم الرئيسة تجاه مجتمعهم هي مساعدة هذا المجتمع على التطور والرقي للأفضل· بالطبع لا يعني التطور الذي نتحدث عنه هنا، التقليد العشوائي والشاعري/الخيالي للثقافة الغربية عن طريق أساليب عفا عليها الزمن منذ  مطلع القرن العشرين (high modernism) أوالتمتع بالجلوس عاليا في ذلك البرج العاجي، ولكن المثقف بدأ بالنزول في الساحة الاجتماعية والسياسية كمشارك "نشط" وصوت فعال ضد كل ما يسيء للحرية الشخصية للإنسان وكل ما يؤدي لتضييق فرص الإبداع الإنساني· البرج العاجي الذي كان ملاذ المثقف "الطريد" قد أصبح على ما يبدو سجنا ذا قضبان ذهبية في هذا الوطن، فلقد عزل المثقف نفسه في هذا الوطن أو أجبر على الانعزال عن ما يدور في الساحة الاجتماعية والسياسية·

نحن هنا نستخدم مصطلح "البرج العاجي"  ليس تهكما أو ازدراء لشخص معين ولكن لأننا نلاحظ  إشارات وجود هذه الظاهرة  كعدم اهتمام المثقفين والكتاب بما يدور حولهم من مآس يومية كسيطرة السياسة على مصائر الناس و اختطاف مجموعات ذات مصالح سياسية/تجارية ضيقة للحوار السياسي لا بل الثقافي، وهنا نريد أن نوضح أن الحوار أو الإنتاج الثقافي سوف يراقب ويمنع من قبل تلك الجماعات عن قريب، نحن هنا لا نعني بهذه الجماعات التيارات السيادينية فقط بل سوف يأتي المنع يوما ما من قبل مجموعات تقدمية في  خارجها و منغلقة وطبقية من الداخل، فلقد فضل المثقف في هذا الوطن على ما يبدو التعبير عن ما يلاحظه من اختراقات يومية للقوانين عن طريق أعمال لا يقرؤها إلا المثقفون الآخرون، نعني سكان البروج العاجية المجاورة و لا يبدو أن لهذه الأعمال أثرا فعالا إما في زيادة مستوى القراءة في هذا الوطن أو طرح حلول حقيقية للمشاكل المتعددة، وهنا لابد لنا من السؤال: كيف يلام التيار السياديني أو أي تيار سياسي آخر على استغلال الوضع الحالي عن طريق اقتناص الفرص التي يتيحها المثقفون بصمتهم؟! يبدو أن الحوار الثقافي الكويتي (نعني هنا الإنتاج الثقافي والجمالي نفسة كحوار) قد أصبح لا يفهم من قبل القارئ العادي وأصبحت أهدافه وأفكاره تخاطب مجموعات معينة من المثقفين· هذا "التعليب" للإنتاج الجمالي والثقافي إن شئتم تسميته بهذا الاسم، قد أصبح دليلا واضحا إما على عدم اهتمام المثقف الكويتي فيما يدور حولة أو دليلا على شعوره بالعزلة في هذا الوطن· الإحساس بالعزلة  هو دعوة للرحيل الى أماكن أخرى وتفضيل ذلك عن مواجهة ما يجب أن يواجه: الأزمة الأخلاقية، والثقافية والأيديولوجية التي شلت النشاط الإنساني التقدمي في الكويت·

أن إنجاز المثقف العملي (أي نتائج ملموسة على أرض الواقع) قد أصبح أحد أهداف الإنتاج الثقافي والجمالي في دول أخرى ولكن هنا في الكويت يبدو أن الكثير من الأدباء و الأديبات، والنقاد، إلخ، قد أتاحوا المجال "لدون كيوتي" وغيره من أشباه المثقفين القيام بالمهام التي يجب أن ينجزوها هم· هذا ليس انجرافا "نحو العاطفة" من قبلنا، ولكنه قهر وشكوى من صمت الكثير من الأصوات الثقافية عن مواجهة المشاكل الاجتماعية والسياسية، لا بل الأيديولوجية التي تعصف بكيان هذا الوطن· لقد صمت الكثير من المثقفين فيما فيه الكفاية حسب تقديرنا و"يجب" عليهم النهوض وأخذ المعضلات من نواصيها وطرقها حتى الاستقامة على سندان الثقافة·

بعض المشاكل التي يجب علي المثقف مواجهتها هي التعليم، ماذا نعني بالوطنية، تقديم البعض من الحلول لمشاكل المواطن، وأخيرا وليس آخرا ماذا نعني بالمجتمع المدني؟

مشكلة التعليم في هذا الوطن لا تنبع من عدم توافر الإمكانات المهنية أو التعليمية ولكن غياب الرؤى الواضحة حول ما يحتاجه الطالب أو الطالبة الكويتيين من تنمية للقدرات العلمية وبث روح الاكتشاف والاهتمام بالمعرفة لديهم· نحن هنا لا ننكر جهود مؤلفي الكتب المدرسية أو جهود المدرسين والمدرسات بل ندعو لتطوير مهنة التعليم بما يتناسب مع آخر التطورات العالمية في هذا المجال· فيوجد حاليا ثورة في مجال التعليم في دول أخرى كالتركيز على تطوير طرق التعليم بما يتناسب مع آخر الاكتشافات أو الدراسات البحثية التي تسعى دائما لسد الفجوة بين المعلم والتلميذ· لا بل إن من أحد آخر الاكتشافات أو الممارسات التعليمية هو البحوث الصادرة والتي تناقش سيكولوجية الفصل الدراسي وكيف يستطيع المدرس أو المدرسة استغلالها في زيادة الفرص التعليمية "الحقيقية" للطلاب· ففي العالم الخارجي، نعني خارج مجال التغطية الكويتية، يعتبر استعمال التهديد اللفظي أو الجسدي للطلاب، على سبيل المثال "بربرية بحتة" و لا تذكر إلا بما كان يجري في عصر البيوريتانس في مطلع القرن الثامن عشر (في إنجلترا والولايات المتحدة)· لا بل إن " عصا أو خيزرانة المدرس السابق" موجودة حاليا في أجنحة متاحف "فنون التعذيب·"

نحن هنا لا نرغب في المزاح حول هذا الموضوع المهم ولكن الأمر بكل بساطة هو الآتي: "التهديد اللفظي أو الجسدي" للطلاب هو أحد الأمور المعاقب عليها قانونيا في المجتمعات المدنية الأخرى· مهمة المثقف حول ما يجري في بعض مدارسنا هو اقتراح الحلول لهذه المشاكل وتوفير الاقتراحات حول كيفية تقوية اهتمام الطلاب والطالبات في المجالات العلمية أو الاكتشافية وتنوير مستخدمي العنف اللفظي والجسدي ضد الطلاب أن طريقة التعليم هذه بلا فائدة لا بل تؤثر بشكل سلبي علي تطور الطلاب سيكولوجيا وأخلاقيا·

أما دور المثقف حول موضوع ما يعني بالوطنية هو تبيان الفرق بين ماهو صحي حول هذا الموضوع وما هو غير صحي· فالنعرة الوطنية أو    Chauvinism أو الوطنية اللانقدية لا تجلب إلا تفريق الفئات الاجتماعية أكثر وأكثر وتعكر صفو المحيط الثقافي أكثر زيادة· نحن سعداء أن نذكر هنا أن موضوع الوطنية في الكويت ينتقد من قبل قوى سياسية واجتماعية متعددة في هذا الوطن، ولكن لابد أن يصر الجميع أن الهدف من هذا النقاش الصحي الديمقراطي هو تعزيز و تقوية جدار الفسيفساء الوطني أكثر فأكثر لا تقشيره وبعثرته ووضع مصير الوطن في مهب الريح· لدى الكثير من المثقفين الكويتيين القدرة على اقتراح الكثير من الأفكار التقدمية والتطورية حول هذا الموضوع عن طريق تبيان الفرق بينNationalism  بمعناها الغربي السلبي غالبا "والوطنية" الكويتية المصبوغة بالتراث والحاضر الكويتي الحالي·

يدرك الكثير من المثقفين ما جلبته "الوطنية الغربية" من ويلات كثيرة ومدمرة لأوروبا، إضافة الى ذلك، يقدر المثقف الكويتي أن يساعد المواطن العادي عن طريق اقتراح حلول عملية للمشاكل اليومية التي يواجهها  هذا المواطن· فعلى سبيل المثال،  يمكن إنتاج أعمال أدبية تخاطب فئات عمرية معينة من المواطنين وتركز على ما تواجهه هذه الفئة العمرية من مشاكل، واقتراح حلول لهذه المشاكل عن طريق مقارنتها بتجارب إنسانية أخرى، إلخ· أخيرا وليس آخرا، يمكن للمثقف أن يطور النقاش حول المجتمع المدني و شرح حقيقة أن ذلك المجتمع لا يتعارض مع التراث الثقافي المحلي أو الديني· لا بل يمكن القول إن الحضارة العربية/ الإسلامية قد أنتجت نماذج مجتمعات مدنية يحتذى بها (بعض عصور الأندلس) توازي المجتمعات الحالية باحتوائها أعراقا وطوائف وتوجهات مختلفة·

هذه عزيزي القارئ بعض من الاقتراحات وننأى عن أنفسنا الادعاء بأن هذه الأمثلة خالية من العيب أو بعيدة عن النقد، ولكنها محاولة أخرى لمواصلة النقاش·

kaaljen@taleea.com

�����
   
�������   ������ �����
الجندي الأمريكي الذي أعرفه
The American Soldier I Know
الخوارق الإسبانية والرصاصات الخفية!
مناجاة: صدام والطرْق المستمر
التطـرف: ثلاث صــفات مشـتـركة
وطنـي وبعضــنـا··
القمة العربية: أزمة حوار وثقافة
هنيئا روسيا Congratulations Russia
(3 – 3)
هنيئا روسيا Congratulations Russia
(2-3)
هنيئا روسياCongratulations Russia
(1-3)
"فرانكيشتاين" العراق الموقت
مدينة علمية كويتية شاملة:
ما المانع من وجود زويل كويتي؟
التوائم السيامية الفرانكفونية: المحاكاة والهوية الجزئية
إعفاء عضو مجلس الأمّة من منصبه عن طريق جمع تواقيع الناخبين
العلمانية: الأيديولوجية والخاصية الثقافية
?Secularism: Culture-bound Ideology
”اللي يحب النبي يضرب!”
أيهما يتسع للنقاش الديمقراطي الحر: قبة البرلمان أم قبة ديوان العضو؟
الليبرالي x المتعنت Dogmatic vs. Liberal
نداء إلى السيدة الفاضلة نبيلة العنجري:
تطوير المرافق الترفيهية والسياحية في الجهراء
هل المثقـف الكـويتي معزول عما يـدور حوله؟
Ivory tower Syndrome!
  Next Page

استراتيجية التطوير البرلماني: دعم النواب
الأعضاء الجدد بحاجة إلى معرفة برامج وإجراءات ونظم المجلس وتقاليد العمل البرلماني (1):
د· علي الصاوي
إدوارد سعيد:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
من يفتح النافذة في جامعة الكويت؟:
سعاد المعجل
إنسانية مكاتب العمالة المنزلية:
يحيى الربيعان
تحديات السلام!:
عامر ذياب التميمي
التجنيس السياسي - تداعيات وآثار:
عبد الهادى مرهون
هل المثقـف الكـويتي معزول عما يـدور حوله؟
Ivory tower Syndrome!:
خالد عايد الجنفاوي
ضحية المواقف المشرفة:
عبدالله عيسى الموسوي
ما السلطة الخامسة في العراق؟!:
حميد المالكي
تسريع عملية تسليم السلطات للعراقيين:
د. جلال محمد آل رشيد