صدام في اللغة: معناه مرض خناق الخيل
يقول الفيلسوف البروفيسور جاك بيرك: "لا شيء عسيرا على الفهم ولا توجد مشكلة معقدة بل هناك مشكلة ناقصة التحليل، فعلينا إذن بالتحليل"·
منذ اعتقال الدكتاتور صدام حسين وبورصات الإعلام في حال انتعاش لا نظير لها: أخبار واحتمالات وتنبؤات وتلفيقات ووجهات نظر متناحرة وسجالات ومعارك لفظية وانطباعات شخصية اشترك فيها الجميع، وخلف هذا الكم الهائل والذي يتعاظم باستمرار ويتضخم كل ساعة تُغيَّب الحقيقة في غمرة احتدام الجدل وخلط الأوراق وتقاطع الأمزجة والانشغال بجزئيات وتفاصيل حدث الاعتقال وعندما نمحص وندقق في كل هذا النزيف الفوّار المتواتر فإننا نرى القسم الأكبر منه يركز على طريقة الاعتقال "لرمز الأمة العربية وما شكله من إهانة للعرب والمسلمين ومن اعتقال لرئيس دولة شرعي عضو في الأمم المتحدة وأسرة الأنظمة العربية القائمة، ولأنه رفض عقد الصلح مع إسرائيل وأمم النفط وأنه الزعيم الوحيد الذي ضرب إسرائيل بالصواريخ ولأن أموال صدام هي الأموال العربية الوحيدة التي وصلت الى الفلسطينيين ولأن اعتقاله إنذار عملي بأن الدور قادم على سواه من الحكام!" وإن اعتقاله لا يخدم غير "اليهودوالصليبيين والنصارى الكفار"!!
بينما يرى شعبنا العراقي ومعه أحرار العالم بأن صدام مجرم ويجب أن يحاكم لأنه قتل الملايين وأهدر الأموال العامة ومزق التضامن العربي أكثر مما هو ممزق، وقدم خدمات كبرى لأعداء العرب والمسلمين وأصبح مطلب محاكمته ليس عراقيا فحسب بل كويتي وإيراني وحتى من ابن عمه جمال كامل المجيد أخ حسين كامل الذي أمر صدام بقتل أخويه حسين وصدام وأبيه وذبح أمه بالسكين·
وفي غمرة وأوار المطالبات والتحليلات الشوهاء العرجاء التي تحاول تبرئة صدام من جرائمه الكبرى وإحلال محلها طريقة اعتقاله ونشر صورته، كما هو حينما أخرج من ذلك الجحر في دغدغة واضحة وقحة للمشاعر ومحاولة ابتكار واصطناع صورة للذي عليه صدام لغرض التعاطف معه والاشفاق عليه والحزن على المآل الذي آل إليه·
طبعا وراء كل ذلك مصالح وخلفيات سياسية ومكافآت نقدية سخية تجاهد لاختصار واغتصاب حادث اعتقال صدام على طريقة الاعتقال فقط واللقطات الحية التي ظهر فيها وضيعا جبانا متخاذلا مذعورا كما كان طيلة حياته حينما خصص ودرب الآلاف لحمايته الشخصية مزودين بأحدث الأسلحة والتقنيات·
لقد كان يحب حياته ويخشى الموت وكان طيلة حكمه لا أحد يعرف أين ينام صدام ولا أحد يعرف أين قابل صدام، وحتى أعضاء قيادته ووزراؤه كانوا ينقلون بباصات مضللة وطرق مجهولة وأماكن غاية في السرية لمقابلته وعقد الاجتماعات معه إضافة الى غرف التعقيم الذاتي الملحقة بمقار إقامته والكثير من الأسرار والألغاز التي رواها ممن عملوا في قصوره ومن الذين هندسوها سواء أكانوا عراقيين أم أجانب، كل ذلك معروف وصحيح ولا نريد الإسهاب به تجنبا للتكرار·
ولكن·· أين الحقيقة الغائبة؟
الحقيقة غائبة ومغيبة في ركام معظم ما قيل ويقال ولكنها حاضرة في ضمير ووجدان ومشاغل العراقيين والعرب والأجانب الأحرار، وهي أن اعتقال صدام يعني النهاية لأبشع نظام استبدادي وهو إدانة للدكتاتوريات والنظم الشمولية المطلقة وغياب الحريات العامة والديمقراطية الدستورية الحقيقية ديمقراطية المؤسسات الدستورية، ديمقراطية الشعب مصدر التشريع وصنع القرار والرقابة وحكم الشعب واستقلال السلطات والعدالة والمساواة لا "الديمقراطيات" الشكلية الفوقية التي لا تعدو مؤسساتها إلا جزءا من مؤسسات السلطة التنفيذية صاحبة القرار والنفوذ والثروة والإعلام تلك هي الحقيقة التي ناضل شعبنا العراقي طويلا من أجل إنجازها ومدخلها محاكمة الدكتاتورية بشخص الدكتاتور صدام حسين ونظامه، وإدانة الاستبداد والحكم الدموي المطلق أينما كان بشخص رمزه المعاصر صدام حسين وكانت أول فعالية لتحقيقها هي الاعتصام اللندني المستمر في ساحة الطرف الأغر منذ تاريخ 28/12/1996 وهذا هو أطول اعتصام في التاريخ تحت شعار "باقون هنا حتى محاكمة صدام حسين وعصابته" ثم انطلقت الحملة الدولية لمحاكمة صدام والتي نظمتها منظمة "إندايت" برئاسة النائبة آن كلويد من البرلمان البريطاني والحملة الثالثة انطلقت من الكونغرس الأمريكي ومن ثم من المقر الأوروبي في فرنسا، والحملة الرابعة كانت المطالبة بها أن تنطلق من البرلمان الكويتي لكن ذلك لم يحدث ولم تنطلق الحملة انطلاقتها الرابعة المنشودة وبعد سقوط النظام انتقلت فعالية الاعتصام المستمر من لندن الى بغداد ولا زالت مستمرة·
محسن المطيري المحامي··· أول من أعلن مشروعا متكاملا لمحاكمة صدام حسين
وفي سابقة هي الأولى من نوعها يعتبر المحامي محسن المطيري - أول قانوني كويتي يعلن من خلال مقابلة موسعة مع صحيفة "السياسة" الكويتية مشروعا متكاملا لمحاكمة صدام وأعلن مدة قدرها ستة أشهر لجمع الأدلة وتلقي شكاوى ضحايا صدام ولكن مشروعه أجهض فورا ولم يتعاون أحد معه غير العراقيين ووجد نفسه أمام قوى متعددة وقوية ليس بمقدوره صراعها ومجابهتها وآثر الصمت مرغما، لكن مشروع المحاكمة بقي متفاعلا وحاضرا في ضميره ووجدانه وإحدى "الخطى المفقودة" التي يبحث عنها مع غيره من الملايين الذين يعملون على محاكمة الدكتاتور وبشخصه محاكمة القهر والاستبداد والعبودية والأنظمة الطاغوتية في مشارق الأرض ومغاربها وقد شكل مشروعه مساحة بيضاء ناصعة في مسيرة الإنسان الأزلية نحو الحرية والعدالة والمساواة، وسجل موقفا شجاعا ومشرفا لا ينساه شعبنا وقواه وفعالياته ولا العالم ومنظماته الإنسانية جيلا بعد جيل·
الآن يجب تقديم صدام وزمرته الإجرامية الى المحاكمة فورا دون تسويف ومماطلة وعقد صفقات·
أول دراسة عراقية تنشر للمرة الأولى عن القضية الفلسطينية في خطابات صدام
تبيانا لجوهر حقيقة مواقف صدام حسين ونظامه من فلسطينيين والقضية الفلسطينية يسرنا وللمرة الأولى نشر الدراسة العراقية التالية: "هناك حقيقة مثيرة خلصت إليها الدراسة العراقية وهي أن شعارات التحرير من النهر الى البحر وغيرها من المزاعم وردت فقط بعد الرابع من شهر تشرين الأول عام 2000 أي بعد ستة أيام من اندلاع انتفاضة الأقصى ولم يكن لها أي جذور قبل ذلك ولاحظت الدراسة أن مفردات الجهاد وشعار من البحر الى النهر لم ترد في أحاديث صدام وإعلام النظام خلال الفترة من السابع والعشرين من شهر أيلول الى الرابع من شهر تشرين الأول أي إلا بعد اجتماع صدام مع أساتذة الجامعات الذي تم فيه الحديث مطولا عن البحوث الجامعية وانتقل عرضا الى الحديث عن تصريح جورج بوش الابن بشأن المصالح النفطية الأمريكية في الخليج وبعدها جاءت مزايدات الطاغية على المواقف الرسمية العربية·
وأوضحت الدراسة أن مكتبة الإذاعة والتلفزيون في مديرية الإذاعة والتلفزيون تخلو من نشيد سياسي خاص بالقضية الفلسطينية باستثناء أربعة أناشيد معدة ومنتجة في بلدان عربية، وأوضحت الدراسة أن هذا النقص يكشف عن تجاهل النظام للقضية الفلسطينية منذ عشرين عاما مما دفع بوزارة إعلام النظام الى إقامة مهرجانين عرضت فيهما أناشيد مستحدثة على عجل لتلبية احتياجات الإذاعة والتلفزيون المكرسة لمزايدات العميل صدام حسين والمستحدثة أيضا·
وأكدت الدراسة أن ما ورد من إشارات حول فلسطين في خطابات صدام خلال الأعوام العشرة الماضية تتعلق حول دعم المفاوضين الفلسطينيين والعرب للحصول على مكاسب جزئية في المفاوضات من سلطات الاحتلال الإسرائيلي·
وعن التناقضات الواردة في خطابات ورسائل صدام حسين خلال الفترة من الرابع من شهر تشرين الأول ولغاية الخامس عشر من شهر تشرين الثاني الجاري قالت الدراسة إن صدام دعا الى الثورة على الحكام العرب بشكل عام في سبع حالات لكنه وعندما يتحدث وبالتفاصيل ويأتي على الأسماء في مخاطبته للمواقع الرسمية في كل من سورية ومصر والأردن ينحو منحى آخر ويتحدث بمرونة على النقيض من الدعوة الى إسقاط الحكام في تلك البلدان·
كما أشارت الدراسة الى مفارقة ثانية وهي أن الدعوة الى الجهاد المسلح لتحرير فلسطين وردت في أربع حالات لكنها اقترنت عند الخوض في التفاصيل بالتخفيف كثيرا من الطرح المباشر، كما أن وزير خارجية صدام أدلى بثلاثة تصريحات في القاهرة والدوحة تضمنت شرحا مغايرا لمعنى الجهاد المسلح، مناقضا بذلك ما ورد في رسالة صدام الى القمة العربية، كذلك ورد على لسان عزت إبراهيم الدوري في تعقيبه على رسالة صدام في القمة العربية ذكر فيه أن الدعوة الى الجهاد لا تعني إعلان الحرب ضد إسرائيل، وهو ما صرح به محمد سعيد الصحاف في ثلاث حالات·
كذلك أوردت الدراسة مفارقة ثالثة في إحصاءات كمية ونوعية مستلَّة من المواد الإعلامية الصادرة عن النظام وأكدت أن مسؤولي النظام في المحافظات الذين كانت تنسب إليهم أخبار الاستعراضات العسكرية ومسيرات المتطوعين لتحرير القدس قد ضاعفوا من أفراد حمايتهم الشخصية ولوحظ أن مسيرات المتطوعين وخاصة تلك التي يرافقها حمل البنادق كانت تحاط بصفوف من عناصر الحماية المدججين بالسلاح وهو ما يتناقض كليا مع ادعاءات "مواءمة نبض الشارع العربي" الذي منه الشارع العراقي الساخط على نظام صدام حسين الإرهابي·
قالوا عن صدام حسين
يقول اللواء عمر محمد الهزاع: "إن صدام مجهول الأب، معروف الأم ونحن التكارتة نجهل من هو والد صدام"·
نقلا من كتاب (حكومة القرية) عن صحيفة (بغداد) العدد 314 في 31/1/1997· |