يجب حقيقة إعادة النظر في طريقة الطرح التي تناقش من خلالها مسألة الخلاف الروسي الشيشاني، فما يجري في الشيشان لا يمكن أن يكون "حربا" روسية على الإسلام، لأنّ ما جرى وما يجري خلال ذلك الصراع أكثر تعقيدا من هذا النقاش الديني التقليدي، فعلى سبيل المثال، أدى تدني الأمن في الشيشان عام 1998 إلى قيام الرئيس الشيشاني السابق مسخادوف بإعلان حالة الطوارىء، إعلان مسخادوف لحالة الطوارىء هذه لم يكن ردا مباشرا على تدخل الجيش الروسي في الشيشان ولكنه كان أيضا محاولة منه لفرض السيطرة على حالة الفوضى الأمنية (lawlessness) التي عمت ذلك الإقليم بسبب تنازع الفصائل الشيشانية فيما بينها·
لاحقا، حاول مسخادوف فرض سيطرته على الإقليم بإعلان تطبيق الشريعة (1999) تعامل مسخادوف أو القوى الشيشانية الأخرى مع مسألة موضوع الفوضى الأمنية التي عمت البلاد لم يكن يريح روسيا بسبب خروج الوضع الأمني عن نطاق السيطرة والتي تمثل في تحوّل الشيشان إلى مرتع خصب لقوى التطرف المتعددة·
نحن هنا لا نبرر الانتهاكات الخطيرة التي جرت في الشيشان من قبل بعض القوات الروسية ونؤكد ضرورة ملاحقة منتهكي حقوق الإنسان هؤلاء·
ولكن يجب كذلك الابتعاد على التصنيف التعميمي للمشكلة على أنها صراع ديني ويجب النظر إلى الإشكال الروسي الشيشاني على أنه صراع بين قوى تطالب بالاستقرار الأمني لهذا الإقليم (روسيا) وقوى أخرى تريد بلقنة أو أفغنة المسألة الشيشانية "المجموعة المسلحة الروسية، المافيا الروسية، المجموعات المسلحة الشيشانية والأجنبية·· إلخ"
الاتحاد السوفييتي سابقا وروسيا ما بعد التسعينيات لم يجدا غضاضة من استمرارية تمتع الشيشان باستقلال ذاتي من خلال منظومة الاتحاد السوفييتي أو الاتحاد الروسي ولكن تحول هذا الإقليم إلى بؤرة تجمع للقوى المتصارعة المختلفة أدى إلى إطلاق نداءات داخلية وخارجية للجم هذه القوى أولا لكي يكون هناك فرصة لإعادة البناء·
روسيا ليس لديها القدرة على الصمت مع استمرار حالة الفوضى الأمنية في الشيشان نتيجة تنازع القوى الشيشانية وغير الشيشانية فيما بينها للسيطرة على الإقليم بل كان من المنطقي تدخّل روسيا لجلب بعض من الاستقرار السياسي والعسكري لهذه المنطقة، ما يجري في الشيشان له عادة نتائج مدمرة على الأمن الروسي كما تمثل أخيرا في مأساة مجزرة المسرح الروسي في موسكو·
إعادة النظر في طريقة طرح الكثير من المناقشات حول هذا الموضوع الشائك يمكن أن تقود في نهاية الأمر إلى إنتاج قراءة أكثر تعقلا وحيادية·
kaaljen@taleea.com |