يناقش بعض الكتاب المحليين هذه الأيام موضوع التطبيقات السياسية للنظام العلماني ولا يبدو أن هذا النقاش يثمر تفهما للأسس التاريخية والسياسية لهذا الموضوع المهم أو أنه يبين الخاصية الثقافية والدينية بل العرقية التي لازمت موضوع العلمانية منذ بدء ظهوره على الساحة الدولية في أثناء عصر النهضة الأوروبية، فما يجري حاليا من نقاش حول “انتصار” النظام السياسي العلماني أو مقاومة التيارات الدينية له لابد أن يشمل شرحا وافيا لما هو متشابه بين الظروف السياسية والاجتماعية التي تطور من خلالها الفكر العلماني سابقا وما إذا كانت هذه الظروف متوفرة في الساحة المحلية في الكويت·
فإضافة إلى الخاصية الثقافية الأوروبية لموضوع العلمانية ارتبط النقاش حول العلمانية أيضا بالتعاليم الدينية الأوروبية، وهذا النوع من النقاش أو ما حققه من نتائج لاحقة لم يؤد إلى فصل المؤسسة الدينية عن الحكم السياسي بشكل كامل، بل استمرت الأيديولوجيات الدينية في أوروبا في التأثير في الأمور السياسية ودليل تقارب وجهات النظر السياسية بين المؤسسة الدينية والأيديولوجيات السياسية التي سيطرت على مجريات الأمور في بعض البلاد الأوروبية·
وبالطبع هذا النقاش الأوروبي لم ير في العلمانية مشروعا ثقافيا أو أخلاقيا أو سياسيا معينا ومحددا بل كان يتركز حول القضاء على تضخم الطقوس الدينية التي ارتبطت بممارسات المؤسسة الدينية، حيث أدت تلك التضخمات في بعض العصور التاريخية إلى تكوين مؤسسات دينية بدأت تهتم بالجانب المادي/البيروقراطي بدلا من أن تؤدي خدمات روحية بحته كما طالب البعض آنذاك(لوثر، هنري الثامن، البيوريتانس···الخ)·
العلمانية كمشروع سياسي ليس له أسس فكرية ثابتة في المحيط الفكري العربي والإسلامي ولا يمكن أن تطبق كممارسة سياسية مادام المحيط الفكري العربي والإسلامي لا يقبل الرأي الآخر أو لا يعترف بأن العلمانية هي الجنين الشرعي لأيديولوجية سياسية ودينية معينة (على أقل تقدير،يجب أن يحتوي هذا المحيط الفكري تطورات فكرية مشابهة، فما يجري في بعض البلاد الإسلامية التي تقع في أوروبا يعطي الدليل القاطع على عدم تقبل الحضارة الإسلامية بشكل خاص لمشروع سياسي يتطلب وجود أسس فكرية معينة لم توجد بتاتا في القاموس الحضاري الإسلامي أو حتى العربي)·
العلمانية كفكرة سياسية هي "مشروع" نبيل للغاية وله نتائج إيجابية تصب في مصلحة الفرد و المجتمع، ولكنه أيضا لم يكن مشروعا سياسيا محددا يمكن بعثه أو محاوله تطبيقه الآن دون الالتفات لظروفه التاريخية السابقة·
kaaljen@taleea.com |