حسب تعريف قاموس أكسفورد لمصطلح التطرف fanaticism يتميز هذا السلوك بثلاث صفات تفرقه عن باقي أنواع السلوك الإنساني وعند النظر في تعاضد هذه الصفات مع بعضها البعض يمكن للكثير منا فهم زيادة ظهور التطرف في العالم، فمن أول الصفات التي يتميز بها الفكر التطرفي هو "الإفراط" excessiveness في تصديق المبادئ السياسية والفكرية للمجموعة التي ينتمي إليها الفرد وعدم القدرة على السيطرة على هذا الإفراط، فما يتم تصديقه بإفراط دون استخدام ملكة العقل الإنساني في فهمه يصبح من "المسلمّات" التي لا يمكن مناقشة أسسها المنطقية أبدا، لا بل يتطور هذا الإفراط الى ميكانيكية اعتقادية "لا يقصد دينية هنا" تدريجية النمو لدرجة أن التركيز الاعتقادي ينتقل من تصديق المعتقد الفكري للمجموعة الى أخذ "الإفراط" نفسه كمعتقد لا يقبل الشك·
النتيجة المنطقية لهذا السلوك الإفراطي "إن شئتم" تتمحور في "استحواذ الفكرة الواحدة" single-mindedness فليس بمقدور المتطرف "سواء دينيا أو فكريا أو سياسيا" الخروج من استحواذ الفكرة الواحدة على تفكيره وعدم قدرته، نتيجة عقود طويلة من عدم قبول الرأي الآخر، من "قبول" إمكانية أن هناك رأيا آخر يخالف بل يعطي تفسيرا آخر لما تنتجه الفكرة الواحدة من أسس أخلاقية وفكرية، وبالطبع "الإفراط" الذي يقود الى "استحواذ الفكرة الواحدة" يكون "وقودا" غير ناضب للتحمس enthusiasm·
التحمس أو الانفلات في تصوير المبدأ الفكري للمجموعة التي ينتمي إليها الفرد على أنه الوحيد بين الخطابات المتعددة القادر على توفير الحلول يتغاضى بشكل أو بآخر عن حقيقة أن الطريق لتنفيذ هذه الحلول يمر عادة على أشلاء الأبرياء سواء من الأطفال أو المواطنين العاديين، لا بل قد يتحول هذا التحمس الى أداة تدميرية لا تقدر على الاستمرار سوى بطحن الأطفال وقتل الأبرياء، فإيجاد حلول لمشاكل الأمة، حسب اعتقاد المتطرف، لابد أن ينتج ضحايا "غير مقصودين"·
اللورد شافت سبري shafte sbury (فيلسوف إنجليزي في بدايات القرن الثامن عشر) لم يجد حلا للتطرف سوى الفكاهة، شافت سبري وجد المعضلة في الفكر التطرفي تتركز حول التحمس للمبادئ الدينية والسياسية ولم يستطع بما عرف به من قدرات عقلية فذة سوى على اقتراح الفكاهة والاستهزاء بالفكر التطرفي كحل لهذه المشكلة، الفكاهة حسب قول شافت سبري لها القدرة على "إطفاء" نار المتحمس وتبين سخف أفكاره للمعتقدين بها·
ما الحل؟
لا نظن أن حل شافت سبري ينفع مع ما يحدث حاليا في العالم من غلو الفكر المتطرف وتدميره للحياة الإنسانية، بل ما يمكن فعله هو عقد مؤتمر عالمي تحت رعاية الأمم المتحدة يناقش التطرف بكل أشكاله "سواء الديني أو السياسي أو الفكري" ويحدد السبل لتفكيك أفكاره ودحضها عن طريق إعمال العقل الإنساني وإبراز وجود إمكانية طريق آخر لإيجاد الحلول·
kaaljen@taleea.com |