ما يثير الانتباه عند قراءة الدستور العراقي هو احتواء الكثير من مواده على مثالية شديدة وتناقض فج في مبادىء الممارسة السياسية· هذه المثالية والتناقض معا، في الدستور العراقي الموقت، كوّنا مسخا "فرانكيشتانيا" جديدا·
تبرز مثالية مواد هذا الدستور في المادة الثانية عشرة بشكل خاص: "القوميات المختلفة متآخية خدمة للوطن ضمن عراق فيدرالي موحد" ليس من الواضح هنا ما يعنيه الكاتب "أو الكتّاب" في استخدام صفة "التآخي" في هذا الصياغ الدستوري إذا كان هناك اعتراف بوجود "قوميات مختلفة" في العراق وامتلاكها لخاصيتها الثقافية، ما يضمن استمرار هذا "التآخي" بين هذه القوميات؟ أي أن استخدام صفة "التآخي" و "القوميات" معا في الصيغة نفسها القانونية ينم عن مثالية شديدة فالجمع بين هاتين الكلمتين يلغي حق هذه القوميات في الاستقلال عن الحكومة المركزية مستقبلا ويعطي الانطباع بأن "التآخي" المطلوب بينهما يمكن أن يكون قسريا في الشرط الثاني الذي يجب توافره في المرشح للجمعية الوطنية الانتقالية المزمع إنشاؤها لاحقا·
المادة الثالثة والعشرون، يشترط الكاتب "أو الكتّاب" عدم انتماء المرشح لحزب البعث "المنحل" أو "الأجهزة القمعية" ما هو مثالي هنا أن حزب البعث المنحل احتوى على الآلاف إن لم يكن الملايين من العراقيين والذين مازالوا موجودين على الساحة·
أما بعض ما يتميز بالتناقض في هذا الدستور الموقت هو الصلاحية الثالثة للسلطة المركزية "المادة الثالثة": حقها بإعلان "الحرب، وإبرام الصلح"، هذا الأمر يتناقض مع المادة الخامسة عشرة والتي تنص على أن "مهمة الجيش الأولى هي الحفاظ على سلامة أراضي البلاد، ولا يجوز له التدخل في السياسة"، تاريخيا، لم ينفصل نشاط الجيش العراقي عن المركز السياسي، لا بل إن الجيش العراقي كان المانح الوحيد للشرعية السياسية لمن يحكم!
إضافة إلى ذلك المادة الثالثة والعشرون (2) تتناقض مع المادة العاشرة والتي تنص حرفيا بأن "للناس الحق بحرية التعبير والتنظيم والاجتماع والتنقل والنشر"· أعضاء حزب البعث السابقون لا يمكن أن يرحلوا بليلة وضحاها، ولهم القدرة على التلون وتغيير مسمياتهم السياسية سريعا هم مازالوا موجودين في الساحة العراقية وسوف يستغلون المادة العاشرة أو ما يوازيها في الدستور الدائم للدخول في المعترك السياسي العراقي·
نقترح على من يريد قراءة هذا الدستور العراقي الموقت البدء بقراءة سريعة لرواية ماري شيلي "فرانكيشتاين" فكلا النصين احتويا على محاولات عميقة لجمع ما هو مثالي ومتناقض في جسد مركب والذي تحوّل لاحقا إلى مسخ قاتل·
kaaljen@taleea.com
|