تبدو الساحة العراقية اليوم ساحة وعرة، متشابكة متقاطعة، مساحة مخاضات وإرهاصات، قوى جديدة وتحالفات واختفاء حركات ونشوء أخرى وهكذا ولكننا إذا دققنا بكل ما يجري وتأملنا المعطيات والأسباب والنتائج نرى أن كل ذلك يجري بشكل طبيعي بل ومطلوب بعد أكثر من 35 عاما من الاستبداد والإرهاب المطلق وبعد انهيار الدولة ونهوض الشعب من بين الأنقاض والركام والمذابح والحروب الطويلة·
تلك الخلطة من الحراك السياسي والاجتماعي العراقي وفقا لحالته القائمة الراهنة التي ستمتد الى بعض الوقت كانت ولا تزال طبيعية ومطلوبة ولو لم تكن كذلك أي إذا لم تكن الحالة كما هي عليها الآن لكان الزمن قد توقف أو أن هناك خللا في العراق كدولة والعراقيين كشعب إذ من المستحيل أن تتحقق الولادة أي ولادة دون مخاض بل إننا نتمنى أن تستمر الحالة ذاتها في مسارها حتى نهايته وأن تصل الى أقصى مدياتها وحينها تكتمل عملية المخاض ليخرج بعدها الوليد كاملا ويتعافى الجسد من آلام الولادة وأوجاعها·
فالمرحلة الجديدة، جديدة بكل ما فيها وهي فريدة لم تشبهها أي مرحلة عاشها العراق وتجاوزها وأصبحت جزءا من موروثه السياسي والاجتماعي والفكري ولذلك كله فلا خوف على العراق والعراقيين· وعلى الذين يشغلون بعض وقتهم في تحليل الوضع بالعراق أن يتعرفوا جيدا ويستوعبوا الساحة العراقية وثراءها وعمق التفاعل الذي يجري فيها ثم يبدؤوا بالاستقراء والاستنتاج والتحليل·
العراقيون منشغلون اليوم تماما بوطنهم ويمنحونه أحسن ما يملكون من مهارات وإمكانات وهم لا يتصارعون أو يقتتلون بل يتحاورون ويكشف كل منهم عن وجهة نظره الشخصية أو العقائدية من أجل اجتياز هذه المرحلة العصيبة آخذين بنظر الاعتبار المصالح العليا للشعب والوطن والتكيف مع الوضع القائم والتفاعل معه والتأثير في مجريات أحداثه ووقائعه·
نقول لا خوف على العراق والعراقيين ليس من منطلق انطباعي ووجداني وعاطفي بل من منطلق الثقة المطلقة بقدرات شعبنا أكانت في الإطارات التنظيمية الملتزمة أم في صفوف القوى المستقلة، وهي الغالبية التي لا تريد أن تتقيد وتتقوقع ضمن الأطر الحزبية والأيديولوجية والتجمعات الفئوية وترى أن حركتها وفعاليتها ستكون أشمل وأوسع فيما تكون طليقة حرة في رؤاها وسلوكها وتلعب دور الرقيب والناقد والمرشد لممارسات تلك القوى النظرية والعملية أكانت في الحكم أم خارج الحكم·
ولذلك فإن هذه الانطلاقة الكبرى التي يشهدها العراق ليست عفوية كما يجنح لتوصيفها خيال بعض الكتاب والمحللين والاستراتيجيين “الفضائيين”! إذ ليس هناك أمر عفوي بل كل أمر هو نتاج أسباب وتراكم خلفية بلغت الزمن الذي يجب أن تظهر فيه وتعلن فيه عن نفسها وتطلعاتها لكنها بالتأكيد ستكون حالة موقتة مرهونة بشروطها وأحكامها وقواها الموضوعية والذاتية ولذلك فالجروح العراقية لن تشفى دون أن تفرز وتطرد جميع آلامها وتطرحها خارج الجسد الذي سيعود معافى أكثر حيوية وأكثر فاعلية وأشد خصوبة وثراء·
صحيفة لا تخجل من نفسها ولا من قرائها؟!
أما القضية الثانية التي يعالجها هذا المقال فهي أن البعض مع الأسف الشديد ما زال يعتبر العراق كدولة وكشعب خطرا ينبغي مجابهته وعزله وتمزيقه وتخريبه وصب اللعنات عليه وطعنه صباح مساء حسب آخر مانشيت عريض لصحيفة لم تخجل من نفسها فكيف تخجل من قرائها؟! فتقول: “وما زالت بحور الدماء تسيل في العراق من شماله الى جنوبه”!
وإذا كان البعض وبحسن نية يحاول إقناعنا بأن ذلك “كلام جرايد” إلا أننا لا نفترض حسن النية في من يدبج تلك المانشيتات التي لها أسبابها ومصالحها ودوافعها الحقيرة الضيقة المدمرة التي لا تخدم أحدا ولا تشرف أحدا وهي بالضد من المصالح الوطنية العليا·
ليس هذا فحسب بل إن هناك عددا من السياسيين والمحللين والصحافيين لا يريدون أن يقتنعوا بحقائق كونية ثابتة ومجربة مفادها أن خطر أي دولة لا يكمن في عدد سكانها وجغرافيتها الواسعة وثرواتها الطائلة وموروثها الحضاري الضخم كالعراق إنما الخطر يكمن دوما في نظامها السياسي وطبيعته وتركيبته والقوى الاجتماعية التي يمثلها والذي هو من إفرازها وصنعها وتعبيرا عنها ولو لم يكن هتلر وطغمته النازية على رأس ألمانيا لما اشتعلت الحرب العالمية الثانية ولو لم يكن صدام وعصابته على رأس العراق لما اشتعلت الحرب العراقية - الإيرانية ولما تم غزو دولة الكويت الشقيقة، فالدولة حتى ولو كانت صغيرة جدا فإنها سوف تشكل خطرا وبؤرة للتوتر والمغامرات والحروب إذا كان نظامها السياسي نظاما دكتاتوريا عدوانيا·
ولماذا لم تصبح الصين خطرا على أحد وهي أكبر الدول مساحة وبشرا وثروات وقوة؟!
ولذلك فإن على الخائفين من العراق أن يساعدوا شعبنا العراقي على قيام نظام دستوري شرعي مؤسساتي يستمد إرادته وشرعيته من الشعب لا من حاكم مطلق وعصابة دموية غادرة كان أصحاب المانشيت العريض من خدامها ومرتزقتها ومروجي شعاراتها والمتسترين على جرائمها والمدافعين عن حروبها ومغامراتها والقابضين منها·
نحن وإن كنا لا نعير الاهتمام الكافي لهكذا هرطقات سخيفة ولكننا يجب أن نثبت موقفا ونقول الحقيقة الناصعة المجردة النظيفة لأننا نحترم الكلمة ونؤمن بفعاليتها ومسؤوليتها الجسيمة وتأثير الخطاب مع احترامنا العميق لحرية الرأي والتعبير ولكن بحدود معايير الصدق والبناء لا التخريب والتوعية لا التجهيل والتضليل والتقدم لا التخلف·
كوبونات بترودولارية
الدكتور إبراهيم بحر العلوم وزير النفط العراقي أكد وجود أسماء ووثائق بكميات النفط التي استلمها عدد كبير من “أشقائنا” العرب و”أصدقائنا” الأجانب ويجري الآن تبويبها وتصنيفها تمهيدا للإعلان عنها·
الجدير بالذكر أن وزارة النفط العراقية تكاد تكون الوزارة الوحيدة التي كانت محروسة جيدا في أثناء الحرب ولم تطالها أيادي التخريب والنهب والتدمير ولذلك بقيت كل وثائقها وسجلاتها وملفاتها ومكاتبها سليمة ونحن بدورنا نقترح مجرد اقتراح وننصح هؤلاء القابضين وبلا فضائح أن يبادروا الى إعادة ما قبضوه من أموالنا الى البنك المركزي العراقي ومع ذلك فإن فقهاء القانون العراقي يقولون بأنه حتى لو تم ذلك فإن “الحق القانوني العام” سيأخذ مجراه ويطبق عليهم وفي هذه الحالة فإن إعفاءهم من الملاحقة القانونية وإسقاطها بالكامل مرهون فقط بقرار سياسي سيادي عراقي أو تعديل قانوني يتيح إعفاء هؤلاء من التهم الثابتة عليهم بعد إعادتهم المبالغ كاملة “كاش” عدا ونقدا ولا مجال للجدولة والتقسيط ونادي باريس لأنها ليست ديونا أو تعويضات إنما هي سرقات حذرهم شعبنا منها وكتبنا عنها مرارا وتكرارا وبأن عواقبها ستكون وخيمة عليهم وبأن صدام ونظامه لن يبقيا الى الأبد والباقي بعد الله سبحانه وتعالى شعبنا العراقي الذي سوف يقاضيهم ويلاحقهم لكنهم ركبوا رؤوسهم وقد “أُعذِرَ مَنْ أنذر”·
ومع ذلك كله فإن آثارها وتبعاتها ومضاعفاتها المعنوية الاعتبارية والشخصية ستظل تلاحقهم الى أبد الآبدين·
خبر عاجل عن قوائم بأثر رجعي
مصادر عراقية خاصة أشارت الى أن هناك قوائم بأثر رجعي يجري إعدادها كان الأشخاص الواردة أسماؤهم فيها قد استلموا مبالغ نقدية وهدايا عينية ومكرمات سخية متنوعة أخرى من صدام حسين ونظامه الفاسد لقاء خدمات معروفة منذ 17 يوليو 1968 حتى 2 أغسطس 1990 يوم الغزو الغاشم لدولة الكويت ستضاف لاحقا الى قوائم الكوبونات النفطية لتكتمل بذلك واحدة من أكبر فضائح وسرقات الزمن المعاصر·
hamid@taleea.com |