| يحتار الواحد منا من أين يبدأ حديثه في قضايا الفساد التي سادت الكويت في أعقاب مرحلة الغزو، ففي عدد “الطليعة” للأسبوع الماضي احتلت أكثر من قضية فساد معظم مساحة الصفحة الأولى، من استغلال لأرض أبو فطيرة الذي يحوي تناقضات من كل صنف، الى شركة الدواجن المتخصصة بالمقاولات العامة والتي تبيع البيض بنصف سعر السوق بالجملة، وأيضا أم الفضائح: قضية هاليبرتون - التنمية·
الأسئلة التي طرحتها “الطليعة” لما يتعلق بفضيحة هاليبرتون -التنمية تتساءل عن الجهة التي فرضت التنمية، هل هي الكويت أم واشنطن؟ وأيضا عن الجهات التي تقف وراء هذه الفضيحة مستعرضة الكثير من التفاصيل والآراء المتعلقة بأم الفضائح·
لست هنا في محضر الإجابة عن أسئلة “الطليعة”، لكن التصور المطروح هنا والذي يشاركني فيه الكثير أن فضيحة هاليبرتون -التنمية تأتي كنتيجة منطقية ومتوقعة لمناخ الفساد السائد منذ فجر التسعينات، قضية التنمية هي جزء من مسلسل الفساد بدءا بالناقلات ومرورا بالاستثمارات ووصولا الى صفقات وزارة الدفاع وقضايا التزوير في الشؤون وغيرها الكثير الكثير·
نحن ولا شك نعيش حالة من الفساد الإداري والمالي بل وحتى الأخلاقي بسبب تعاملنا غير الجاد مع قضايا فساد سابقة، هذه الحالة التي شجعت أولئك الذين يملكون نزعة الفساد لأن يتحركوا ويمارسوا أنشطتهم دون خوف من عقاب أو حتى عتب، والمخيف هنا ليس في حجم الخسائر المالية التي يسببها مثل هذا النهج الشاذ، وإنما هو في سيادة “ثقافة” الفساد التي قلبت الموازين كلها وبصورة جعلت من الإنسان الحرامي والمتجاوز للقوانين إنسانا “شاطرا وذكيا” يعرف كيف يصطاد الفرص ويذهب إليها حتى وإن تعارضت مع ما يصنفه القانون كحق مشروع·
نحن وبكل أسف تعاملنا مع قضايا الفساد كقضايا منعزلة ومنفصلة عن السياق العام الذي أفسح المجال وبرر لتلك القضايا وأكسبها شرعية زائفة، حتى لقد اخترق ذلك جهازنا القضائي الذي طالما شهد له الآخرون بالنزاهة والعدالة، فلا عجب إذا ما عادت فضائح الناقلات والاستثمارات برداء جديد وبأسماء جديدة بعد أن أمن هؤلاء العقوبة فاسترسلوا في فسادهم·
وكما شكلت قضايا الفساد في الاستثمارات والناقلات صدمة لأهل الكويت الذين ائتمنوا الحكومة على ثرواتهم وحقوقهم وحقوق أجيالهم المقبلة، فهي كذلك تشكل ندبة قبيحة على جبين الكويت أمام المجتمع الدولي الذي سبق وأن أدان المتهمين في قضايا الاستثمارات والناقلات وكما حدث في إسبانيا وإنجلترا، وأصدرت بحقهم الأحكام بينما لاتزال الحكومة الكويتية تتحرج في تسميتهم أو الإشارة إليهم!!·
قضية هاليبرتون - التنمية ليست قضية تجاوزات مالية أو إثراء غير مشروع وحسب، وإنما هي قضية مساس بسمعة الكويت التجارية والتي أصبحت على المحك هنا بعد أن لوثتها تجاوزات البعض غير المسؤولة، ويكفي أن نشير هنا إلى أن مكاتب بعض الأمريكيين المهتمين بالأمر مثل زعيم الأقلية الديمقراطية في الكونغرس الأمريكي “هنري واكسمان” أصبحت تجري اتصالات مكثفة مع جهات في الكويت بما فيها الصحف للاطلاع على أسماء أصحاب الشركات المتقدمة لمناقصة تزويد العراق بالوقود للمرحلة المقبلة خشية أن تكون شركة التنمية الكويتية متخفية تحت مسمى جديد، هؤلاء يهمهم بالدرجة الأولى معرفة المصدر الرئيسي للتجاوزات، وعما إذا كانت هذه القضية قضية فساد مشترك أم أنها تخص الكويت وحدها، فأي تشويه لسمعة الكويت التجارية أكثر من ذلك؟ والى أي مجهول نحن سائرون بسمعتنا التجارية في المحافل الدولية؟
لقد أثار مجلس الأمة أخيرا فضيحة هاليبرتون - التنمية، لكنها كانت إثارة على استحياء، ولم ترق الى حجم الفضيحة، بل كانت كغيرها من قضايا الفساد السابقة مادة يتراشق بها الأعضاء ويحسمون على ضوئها بعض قضايا الثأر السياسي المعلقة، فقد كان لافتا للأنظار عدم تطرق نواب في الكتلة الإسلامية لمسألة التجاوزات في هاليبرتون - التنمية أو المناقصات المختلفة التي تحوم حولها الشبهات، بينما ركز كل نواب كتلة العمل الشعبي على القضية الفضيحة، لقد ازدهرت تجارة الفساد في مثل هذا المناخ السياسي المتآكل، وأثمرت بعد فضائح الاستثمارات والناقلات الكثير من بذور الفساد الصغيرة والكبيرة على حد سواء، وانقلب الوضع في البلاد ليصبح معه الأمين المخلص، ساذجا وغبيا في مقابل “الذكي” الموغل في الفساد والمتجاوز للقانون!! وسيبقى الوضع مقلوبا ما لم يدرك الجميع ثمن وتبعات الفساد على حاضر الكويت ومستقبلها وتبدأ الحرب الأهم في تاريخ الكويت·· الحرب ضد الفساد·
suad.m@taleea.com |
