تبدأ المذكرة التفسيرية للدستور بالديباجة التالية: "امتثالا لقوله تعالى (وشاورهم في الأمر) واستشراقا لمكانة من كرمهم في كتابه العزيز بقوله وأمرهم شورى بينهم - وتأسياً بسنة رسوله صلى عليه وسلم في المشورة والعدل، ومتابعة لركب تراثنا الإسلامي في بناء المجتمع وإرساء قواعد الحكم، وبرغبة واعية في الاستجابة لسنة التطور والإفادة من مستحدثات الفكر الإنساني وعظات التجارب الدستورية في الدول الأخرى·· بهدي ذلك كله وبوحي هذه المعاني جميعا وضع دستور دولة الكويت"·
الحق أن الشطر الذي يبدأ بعبارة برغبة واعية في الاستجابة لسنة التطور·· إلخ، في تقديرنا هو المحرك الأساس لوضع الدستور، ذلك لأن الكويت ومنذ نشأتها كانت تهتدي بوحي المعاني السامية التي جاءت في مقدمة هذه الديباجة دون الحاجة الى وضع دستور لتنظيم الحياة السياسية فيها·· ولكنها سنة التطور·
أمام هذه الحقيقة البديهية قام الآباء المؤسسون بوضع حجر الأساس للعهد الجديد آخذين بعين الاعتبار المحافظة على وحدة الوطن واستقراره والتي كانت تقتضي التوفيق بين الواقع العملي للأمة والفكر النظري للدساتير ومعتمدين على إيمانهم بسنة التطور بل ومؤكدين عليها في المادة (175) "الأحكام الخاصة·· وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها ما لم يكن التنقيح خاصا·· بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة"· السؤال الذي يطرح نفسه لماذا نشعر بالضيق و"بالحشرة" في ظل وجود مثل هذه المادة بالدستور؟ بالإضافة الى أختها المادة (79) "لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدق عليه الأمير"·
شعورنا بالضيق وبالحشرة يعني أن هناك خللا ما لا بد من تصحيحه· لسنا بصدد الدخول في متاهة التفسيرات الدستورية لبعض مواد الدستور التي اقتضت ظروف الملاءمة لواقع البلد في ذلك الحين اعتمادها رغم أنها بعيدة عن القواعد البرلمانية الأصيلة، ولكننا نؤكد على أن الخلل يكمن في نتائج صناديق الاقتراع وبالتالي يكمن فينا نحن "الأمة"·
قانون الانتخابات والدوائر الانتخابية وكل الممارسات غير الدستورية وتأثيرها المدمر للعملية الديمقراطية ما كان لها أن تستمر و"تزدهر" لولا وجود البيئة الحاضنة لها بدليل أنه حتى يومنا هذا لا يزال لدينا من يعارض إقرار حقوق المرأة السياسية، ولا يزال يصر على الانتخابات الفرعية (الأم الحنون للقبلية والطائفية!) ويطالب بالدولة الدينية، و·· ولكن بالنهاية لا بد من القول: إن الديمقراطية الحقيقة هي سنّة التطور وهي إن كانت تبدو بطيئة عندنا فهي قادمة لا محالة· |