تعتبر البحرين الدولة الخليجية الوحيدة التي تحتفل بعيد العمال وتقره كعطلة رسمية، وقد يعود ذلك لأسباب كثيرة منها على سبيل المثال أن العمالة في البحرين هي عمالة وطنية في أغلبها، ومنها أيضا ما تميز به تاريخ البحرين من حركات نضالية امتدت لعقود ماضية ولا تزال، وهي حركات ينظمها ويحركها غالبا قطاع العمال البحرينيين·

هنالك ولا شك قلق سياسي وأمني واجتماعي في البحرين لا ينكره أحد، فبالرغم من الحذر الذي تمارسه الصحافة الخليجية عند التطرق لبعض أنشطة العمال في البحرين، إلا أن الكثير من أخبار وتفاصيل الاحتقان السياسي بين الحكومة والعمال وجد طريقه الى العلن، آخرها جاء في ما نشرته "الطليعة" في عددها الصادر بتاريخ 4 مايو من إعلان القائم بأعمال مدير إدارة أمن منطقة المنامة عن ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية إزاء (المخالفة) التي ارتكبها منظمو مسيرة "لجنة العاطلين"·· والتي تطالب الدولة بالضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين في حالة الشيخوخة والعجز والبطالة، وهو ما لم تفعله الى الآن·

مطالبات "لجنة العاطلين" هذه تثير أكثر من سؤال حول حقيقة "جهود" الحكومة البحرينية في تحقيق العدالة الاجتماعية والحقوق الوظيفية التي أعلنها أكثر من طرف، آخرها كان في التفاصيل التي تضمنها مقال مطول لملك البحرين نشرته "القبس" في تاريخ 30 أبريل، حيث أشار الى أن "تحسين أوضاع عمال البحرين جزء لا يتجزأ من مشروعنا الإصلاحي" وأيضا "بات ممكنا أن يرفع أي عامل أو مستخدم قضية أمام المحاكم المختصة إذا اعتقد أنه تعرض لأي إجراء تعسفي"·· كما أشار الملك الى أن الدولة تعمل للتخفيف من الفوارق الطبقية ولتجسيد الوحدة الوطنية لكن الوضع ليس كذلك في الضفة المقابلة للحكومة، ففي "ندوة الفقر" التي أقامها نادي العروبة في البحرين في سبتمبر الماضي، تفاصيل أبكت الشيخ علي سلمان وهو يتابع فيلما وثائقيا بعنوان "غربة في وطن" الذي حوى صورا ولقطات مأساوية لواقع العمران والسكن والبيئة البحرينية في القرية والمدينة بعكس الذي يعلن عنه في الإعلام الرسمي· وحيث تناول الفيلم لقطات من حياة الحاج عبدالله خلف من سكنه أهالي قرية كرانة الواقعة في المحافظة الشمالية كعينة من الحالات الموجودة في قرى البحرين، ومن جانبه تحدث الناشط الحقوقي وعضو المركز البحريني لحقوق الإنسان عبدالهادي الخواجة مؤكدا أن الوضع في البحرين يسير من سيئ الى أسوأ·

ثم في نهاية الندوة يقدم عضو المركز حسين الحداد شرحا مبسطا ومعلومات وإحصاءات للأرقام الخطيرة على المستقبل البحريني التي جمعها المركز في ملف خاص وقرص ممغنط وهي تشمل وتوضح الآثار الاجتماعية وآثار الفقر على المواطن وأرقام وإحصاءات للعمالة الأجنبية وغيرها من ملفات الحقوق الاقتصادية·

التجربة العمالية في البحرين هي تجربة رائدة ومخضرمة، بل من قلب هذه التجربة تنامى الوعي بالحريات والحقوق، وتسرب من البحرين الى دول أخرى مجاورة، وبسبب عمق تلك التجربة ونضجها أصبحت مرجعية فاعلة لكل التنظيمات والحركات النضالية في المنطقة·

وإذ نتمنى أن تتطور التجربة العمالية البحرينية، لتصبح شعارا علنيا للعمل الحر والنضالي، نتمنى كذلك ألا يساء فهم هذا المقال، وبكونه تحريضا أو تشويها للحقائق، وكما اعتدنا دائما حين تكون المكاشفة والمصارحة علنية، وإنما أن يقرأ بكونه نابعا من يقيني كمواطنة خليجية بوحدة المصير، التي لم تستطع وبكل أسف، أن تترجمها شعارات المنتديات والاجتماعات الخليجية والرسمية·

suad.m@taleea.com