الحرية هي القدرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها· بالطبع تعريف الحرية يختلف من فرد إلى فرد، ومن مجتمع إلى مجتمع، فالبعض يميل إلى الحرية المطلقة، فلا توجد شروط أو قوانين تسير تصرفاته وكلامه أو طريقة عيشه، وهذا النوع من الحرية غير مقبول في أي مجتمع منظم ويسير حسب قانون ودستور، بما معناه إن هذا البعض الذي يميل إلى هذا النوع من الحرية هو فرد مستقل ولكن عليه أن يعيش بعزلة تامة دون أي نوع من الاتصال البشري بغيره، وهذا وضع غير صحي لأي كائن حي·
بعد ظهور مفهوم الحرية، تم تنقيح هذا المفهوم أكثر من مرة، والمفهوم الذي يناسب المجتمعات المنظمة هو مفهوم الحرية المشروطة، أي الحرية التي وجب أن تقف عند حرية الغير، والحرية التي تتبع حقوق وواجبات مكتوبة كنص قانوني· تفرعت أنواع الحريات، فهناك الحرية السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، ولكن محور اهتمامي هو حرية الرأي، وهي نوع صحي من الحريات إن طبقت لمناقشة مواد تصب في صالح المجتمع، وتكون صياغة المواد مطروحة لتلاقي الشريحة الاجتماعية، ولا تثير النفور بين أفراد المجتمع، فلا يجد طارح المواد علاجا للقضية المطروحة·
بعد هذا العرض الموجز لمفهوم الحرية، أبدأ في الحديث عن "غصة" إعلامية في مجتمعنا الكويتي، وهي بالتحديد برنامج "وراء الأبواب" في قناة "الراي"، والذي على الرغم من تعرضه لانتقادات عديدة، مازال يتجاهل الانتقادات ويستمر على النهج نفسه غير العادي في طرحه· في يوم الثلاثاء الموافق 10 مايو 2005، عرض البرنامج في حوالي الساعة 8.30 مساء، قضية "الجنس الثالث وعملية تغيير الجنس"، وكان هناك أربعة ضيوف، محام يمثل الجانب القانوني، وأستاذ يمثل الجانب الديني والفقهي، ودكتور في علم النفس، ورجل تحول إلى امرأة شكليا· بدأ البرنامج وبدأت الحوارات والأسئلة وتعليقات الحضور حول هذا أو هذه الضيفة المتحولة جنسيا، ولم تكن الإشكالية في القضية بل بأسلوب الطرح، الحوار غير المشفر جنسيا، وللمعلومة فقط "يهال هالوقت هذا ما ينامون إلا 10 ورا"، أي من الشريحة التي عرض عليها هذا الحوار غير المشفر أطفال غير مكتملين عقليا لفهم هذا النوع الجديد من الحرية الإعلامية·
كنت أشاهد حوار البرنامج مع العائلة بأكملها، رغم أن بين كل كلمة وكلمة هناك خدش للحياء، وذكر للممارسات الجنسية وأعضاء الرجل الجسدية، وكلام جارح للعفة الإنسانية، ولم يكن المخرج والمعد والمذيعة على قدر من الوعي بالمفهوم الأساسي للحرية، أي لم يكن عندهم "القدرة" على السيطرة على تدني الحوار والتعليقات من الحضور في البرنامج· فلم أشاهد قط قناة تلفزيونية أمريكية أو أوروبية تثير هكذا مواضيع بهكذا طرح وبهذه الساعة من الوقت!··
للأسف تشوهت مفاهيم الحريات والسبق الإعلامي، وأصبحت الوقاحة الإعلامية هي المنفذ الوحيد للظهور والوصول إلى أعلى درجات القنوات المتلفزة· لذا على هذاالمحب للظهور أن يفهم المهنة الإعلامية فهما صحيحا والارتقاء إلى أخلاق الطرح الجيد، فلا إعلام ولا ظهور سوف يحقق إن لم يحترم هو مشاهديه، ويكف عن التعدي على حرياتهم في منازلهم· |