رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 10 ربيع الآخر 1426هـ - 18 مايو 2005
العدد 1678

عنف خرج من عقاله
د. محمد حسين اليوسفي
alyusefi@taleea.com

فيما كان الخبراء يكتشفون أسنانا اصطناعية في جمجمة لجثة تعود الى عجوز، وحقيبة بمتعلقاتها تخص فتاة مراهقة بعمر الورود، وفيما كان هؤلاء يتفحصون جثث مقبرة جماعية في السماوة تحتوي على بقايا 1500 من الأكراد أغلبهم من النساء والأطفال والعجزة سِيقوا الى مصيرهم المرعب في عمليات الأنفال الشهيرة التي قادها نظام صدام البائد في أواخر الثمانينات، قاد انتحاري من الجماعات الأصولية المدعومة من فلول النظام المنهار سيارته المفخخة وسط سوق الخضار والفاكهة في وسط بلدة الصويرة (50 كم جنوب بغداد) ليقتل ويجرج العشرات من العراقيين الأبرياء· وفي اليوم نفسه عثر على 14 جثة لشباب في مقتبل العمر قتلوا بطلقة واحدة في الرأس ورميت جثثهم في منطقة لتجميع النفايات· والقتل بطلقة واحدة في الرأس هي الطريقة المفضلة عند عناصر استخبارات نظام صدام كما علمتنا تجربتنا معهم في الكويت·

هذا العنف الذي خرج من عقاله وبات لا يخضع لأي معايير سوى تخريب التجربة الديمقراطية الوليدة، يحصد مزيدا من الأرواح البريئة كل يوم· فتحت عنوان "تجارة النعوش تلقى رواجا في مدينة الموت" تنقل التايمز اللندنية (5/6) عن حانوتي يحكي عن زيادة الطلبات على التوابيت، حيث أصبحت تتعدى الستين في اليوم مقارنة بتابوت واحد في اليوم قبل الحرب· أما أسعار تلك التوابيت فقد ارتفعت من ثلاثة جنيهات إسترلينية الى خمسة وعشرين جنيها، وهو مبلغ كبير للكثيرين في العراق· وفي هذا السياق يلحظ حفار القبور مهند أبو شيبا، أن عدد الموتى الذين باتوا يصلون الى مقبرة السلام في النجف قد تضاعف· وإذا كانت 50 مترا مربعا من أرض المقبرة تساوي 400 جنيه في الماضي، فإنها تساوي الآن عشرة أضعاف ذلك المبلغ·

ولم يشتثن عنف الإرهابيين أحدا، حتى أولئك الذين نذروا أنفسهم لخدمة الشعب العراقي، ليس فقط بالعهد الجديد، بل حتى في العهد البائد· فلم يشفع لمارغريت حسن أنها متزوجة من عراقي، وأنها قد أسلمت وتسكن العراق منذ ثلاثين عاما، وأنها بدأت نشاطها الخيري في العام 1991 من خلال منظمة الرعاية الدولية، فقد اختطفت وقتلت شر قتلة· أما الأمريكية مارلا روزيكا، فقد جاءت لتفضح ممارسات بني جلدتها المحتلين، فأنشأت في العام 2003 جمعية "الحملة من أجل ضحايا الحرب الأبرياء"، وكانت تزور البيوت العراقية بيتا بيتا لتجري مسحا لتحديد عدد الضحايا المدنيين في البلاد· لكنها أضحت طعما لسيارة مفخخة ادعى أصحابها أنهم "مقاومة عراقية"، فأي مقاومة ووطنية تلك التي تقتل أصدقاء الشعب العراقي؟؟ إنها مأساة فظيعة - كما قالت مديرة المجموعة - تحمل سخرية مؤلمة تكمن في أن يصبح أي شخص يكرس حياته لمساعدة ضحايا الحرب ضحية حرب هو ذاته!!

ولعل وقع العنف أشد ما يكون على المرأة العراقية، فهاجس الاختطاف وما قد يترتب عليه من احتمال تعرضها للاغتصاب يظل هو الهاجس الأكبر الذي أمسى يقيد حركتها· فالشابة حلا ذات الستة عشر ربيعا، كما تقول النيويورك تايمز (5/6) أصبحت لا تتعدى عتبة الباب بعد أن نجت من عملية اختطاف· وتشير المقالة الى روايات تؤكد قتل بعض الأسر لبناتها بعد أن يتم تحريرهن من الخطف صونا للشرف· أما الصندي تايمز (20/3) فتعدد أسباب استهداف "المسلحين للنساء العراقيات" ومنها: لارتباط أعمال بعضهن بالمسؤولين العراقيين والأمريكيين، أو لمطالبة بعضهن بالمزيد من الحقوق للمرأة، مما يثير حفيظة بعض المتشددين، أو لعدم ارتدائهن الحجاب، فضلا لتركهن بعض التقاليد السائدة·

والانتحاريون بسياراتهم المفخخة هم مصدر الأذى الأول الذي يحيق بالعراقيين يوميا· وتلخص إذاعة البي بي سي البريطانية مقابلة نشرت في الصندي تايمز (5/7) مع "أحد قادة الجماعات الإرهابية" يتحدث فيها عن صعوبة فهم دوافع هؤلاء الانتحاريين العرب، فهم يأتون بقناعة راسخة لا تقبل التفاوض أو المرونة· وهؤلاء الشبان العرب تتراوح أعمارهم بين سن 19 الى 40 عاما، وغالبيتهم من أصول سعودية ويمنية بالإضافة الى عدد صغير من بعض الدول العربية والإفريقية، كما يوجد بينهم أيضا متطوعون من الجاليات الإسلامية في أوروبا· وعن الفترة التي تسبق تنفيذ المهمة الانتحارية يقول هذا القائد إن الانتحاري يتلقى تدريبا عسكريا أخيرا يستغرق يوما أو أكثر، ويقضي ليلته الأخيرة وهو يقرأ القرآن وفي الصلاة، وفي بعض الأحيان يقيم زملاء الانتحاري حفلا يطلقون عليه زفة الحور، في حين يفضل البعض الآخر قضاء ليلته الأخيرة في عزلة تامة مع الله·

لكن شتان بين "نقاء وصدق وشجاعة" هؤلاء الشباب المغرر بهم، وبين قياداتهم التي تدفعهم الى الموت وهي في الوقت ذاته أشد ما تكون محافظة على حياتها، بل تجبن وقت الشدائد· تنقل جريدة الأوبزيرفر البريطانية (5/8) عن "أبو أسامة"، وكان سائقا لأبي مصعب الزرقاوي، حينما أصبح قاب قوسين أو أدنى من الاعتقال في فبراير الماضي، قوله إن الزرقاوي أصيب بحالة هستيرية، إذ لم يكن يعرف أين هو لأنه كان يسألني مرارا عن سكان المنطقة وعن قبائلها· ثم أخذ بندقيته وكمية من الدولارات الأمريكية وهرب!! وما فعله الزرقاوي يفعله كثير من القادة أصحاب "الهالات الزائفة"، فشتان بين بسالة عدي وقصي في يومهما الأخير، وبين جبن القائد صدام حسين الذي قبض عليه مختبئا في حفرة!!

إن الهجمة المتمثلة بأعمال القتل التي يمارسها ضد العراقيين وضد مستقبلهم الديمقراطي مجرمون قتلة، بعضهم ينتمي الى كهوف التاريخ باسم الإسلام، والإسلام منهم براء، وبعضهم الآخر ينتمي الى كهوف تاريخ النظام الاستبدادي البائد - كما يقول الكاتب اللبناني كريم مروة محقا - لا يمكن أن تثني هذا الشعب عن عزمه في تحقيق أمل ناضل طويلا من أجله وقدم في سبيله آلاف القرابين وهو بناء عراق ديمقراطي تعددي علماني اتحادي·

alyusefi@taleea.com

�����
   

من أين تأتي الحرب إذن؟:
أحمد حسين
الحوار مع الحركات الإسلامية:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
من الملف البحريني!!:
سعاد المعجل
مجموعة "هيرميس":
محمد هزاع المطيري
"الراي".. وحرية التعبير عنه:
عويشة القحطاني
فليسقط أعداء الديمقراطية:
محمد بو شهري
حل المجلس قراركم أم رغبة الشارع؟:
يوسف مبارك المباركي
عمرت الأوطان بحب البلدان:
عبدالخالق ملا جمعة
التغيير في البلدان العربية!:
عامر ذياب التميمي
عنف خرج من عقاله:
د. محمد حسين اليوسفي
ما هذا التدني في الطرح؟:
سالم فهد الرسام
الديمقراطية سنّة التطور:
مسعود راشد العميري
أطلس فلسطين:
عبدالله عيسى الموسوي
وين راحوا...؟:
على محمود خاجه
سيادة النائب.. أنت لا تمثلني:
د.ابتهال عبدالعزيز أحمد
من أجل مدينة خضراء:
عبدالله العبدالعالي
"المسكينة.. تاهت حقوقها":
علي غلوم محمد
من هنا يأتي الفساد:
عبدالحميد علي
سياسة الأقنعة:
فيصل أبالخيل