ميكافيللي يقول: "الشعوب السيئة لا يمكن أن تحقق حكومات جيدة" شخصيا أزيد على ذلك وأقول: الشعوب اللامبالية لا يمكنها أن تأتي ببرلمان ناجح ومزدهر· من حضر جلسة مجلس الأمة أو قرأ عنها عبر الصحافة، والتي صاحبتها مشادة كلامية بين أحد أعضاء البرلمان ووزير التجارة الذي التزم الصمت قرابة ثلاثة أشهر حيال ذلك النائب، يؤسفه كثيرا ما آلت إليه الأمور في بيت الشعب، وقبل تلك الحادثة، نتذكر المشاحنة والمماراة المتقدة، التي جرت بين أحد النواب المتميزين بإخلاصه ونائب آخر معروف عنه بالخدمات وتخليص المعاملات، ولولا تدخل العقلاء وقتذاك، لتطور الخطب الى ما لا يحمد عقباه، ولاسيما بعد أن قام النائب الموالي للحكومة بقذف زميله بكأس زجاجي لشرب الماء! نتمنى "أن يكون قد تم استبدال تلك الأقداح الزجاجية، بأكواب ورقية"· نعود الى صلب الموضوع، ربما البعض استهان أو قلل من شأن تلك الحادثة، بحكم أن الذي جرى بين الوزير والنائب من تلاسن بالألفاظ يحدث أسوأ منه، الى حد التشابك بالأيدي في بعض برلمانات الدول المتقدمة، لا نعلم لماذا يشيرون هؤلاء الى سلبيات الغير؟ وفي الوقت نفسه لا تجذبهم النواحي الإيجابية! تماما مثل الطالب الفاشل، الذي يتربص بالطالب المتفوق من أجل إيجاد المثالب عليه·
المضحك والمحزن في الآن نفسه، حينما يخرج علينا بعض الذين أتخمت كروشهم بأموال الرشاوى والحرام، في نقد وتحليل تلك الوقائع المؤسفة، حقيقة لو كنت في محل هؤلاء، والعياذ بالله أن أكون كذلك، لأ طبقت فمي ولا نبست ببنث شفة· إن هؤلاء الطفيليين آخر من يتكلم عن الأخلاق وحسن التصرف والأدب، فلولا هؤلاء لما وصل هكذا نواب يعبثون بمصير الأمة ويدوسون على مكتسبات ومبائ الديمقراطية· الخزي والعار الى من دنت همته في بيع ضميره ووطنه من أجل حفنة من الدنانير أو خدمة تافهة أو معاملة على حساب الآخرين·
لا شك أن أعداء الديمقراطية تفرحهم وتسعدهم تلك الممارسات المفعمة بالضجيج والجداف، بل وأسوأ من ذلك، فهناك من يسعى ويدفع نحو هذا الاتجاه، كي يكفر الناس بالديمقراطية والبرلمان، من المحتمل أن يوفق هؤلاء بعض الوقت في مرامهم البغيض الى النفس، بيد أن أصحاب الهمة والوجدان لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يذعنوا أو يتنازلوا عن "ديمقراطيتهم الدرة" للمسعورين، وبالرغم من اختلافنا الكبير حول بعض الأساليب غير المسؤولة، والتي تحدث بين الحين والآخر تحت قبة البرلمان، إلا أن ذلك لا يعني قطعا أن الأحرار يقبلون التفريط بمكتسباتهم والتي كفلتها الديمقراطية والدستور، والذي عانى ما عاناه الآباء والأجداد حتى وصلنا الى ما نحن عليه الآن· وللعلم البريطانيون احتاجوا لصرف سبعة قرون من الزمن، حتى يصلوا الى ديمقراطيتهم المنشودة، والتي هي مضرب مثل للجميع، يقول أستاذ علم الاجتماع علي الوردي: "إن الديمقراطية عادة اجتماعية قبل أن تكون فكرة طوبائية"، ونحن نحتاج الى ممارسة هاتيك التجارب القاسية جيلا بعد جيل، فنقوم بها، ونقع بها مرات عدة، حتى يتغلغل منطق الديمقراطية في صميم مفاهيمنا وتقاليدنا وعندئذ نخرج من قوقعتنا الفكرية القديمة الى عالم أوسع·
العراق يدفع ضريبة الغير!
الى متى سيستمر الأشقاء العراقيون في معاناتهم اليومية من جراء العمليات الإرهابية الجبانة؟ المعضلة أن دول الجوار ما زالت تتدخل في الشأن العراقي بشكل سافر، والأمريكان بطبيعة الحال لهم أجندتهم في العراق ودول المنطقة، بالتالي على الأشقاء أن يدفعوا ضريبة مصالح الغير في وطنهم·
freedom@taleea.com |