كثر في الآونة الأخيرة ترديد كلمة حل مجلس الأمة وذلك عندما تعجز الحكومة عن حل بعض المشاكل تلوح بالحل حتى أصبحت هذه الكلمة مملة ناسين أو متناسين أن هذا الأمر بيد صاحب السمو الأمير حفظه الله، من هنا سوف أذكر القارئ كيف كانت مجريات الأمور قبل أي حل تعرض له أي مجلس أمة، فمثلا الحل الأول كان بتاريخ 29/7/1976 حيث كان مجلس الأمة في إجازته الدورية ولم تكن هناك أي استجوابات ومن خلال مراجعتي للصحف لتلك الفترة ولمدة شهر تقريبا قبل فترة الحل لم أجد ما يعكر صفو العلاقة بين السلطتين حيث إن الحكومة كانت مشغولة بالحرب الأهلية في لبنان فلم تكن هناك استجوابات وإذا بالسلطة تفاجئ الشعب بحل المجلس حيث كان عنوان الحل "الأمر الأميري بحل مجلس الأمة وتنقيح الدستور" وتشكيل لجنة من ذوي الخبرة لتنقيح الدستور وتعليق بعض مواد الدستور المواد 56 و107 و174 و181 حتى عادت الحياة النيابية في فبراير 1981 بعد انقطاع دام أربع سنوات ونصف أما الحل الثاني فكان في يوم الخميس 3/7/1986 وذلك عندما مارس عدد من النواب حقهم الدستوري بموجب الدستور بتقديم عدد من الاستجوابات وهذا دائما ما يردده المسؤولون بالحكومة فهذا المجلس بالذات عند خروج نتائج الانتخابات تم الاعتراض عليه لأسباب عدة منها نوعية بعض الأعضاء التي لا ترغب السلطة بوجودها في المجلس كما اضطرت الى أن تسحب مرشحها من الرئاسة فبدأت ترتب الى حل المجلس من دون عودة وبالفعل عملت على ما تريد وبعد مرور سنة وأربعة أشهر من وجود هذا المجلس فكان الأمر الأميري بحل المجلس وتعليق مواد الدستور وهي: 56 و107 و174 و181 حيث سبق الحل مجموعة إجراءات استفادت السلطة فيها من أخطاء حل مجلس عام 1976 فبدأت بتغيير الحرس الخاص للمجلس خشية تلقي الأوامر من رئيس المجلس وأوجدت الرقيب داخل جميع الصحف قبل أن تصدر حيث مارس هذا الرقيب دوره على أكمل وجه من حيث وأد الحريات الصحافية حتى لا تنشر أي كلمة لا من قريب أو بعيد عن ذكر مجلس الأمة أو حتى اسم أحد الأعضاء فمثلا عضو مجلس الأمة السابق فهذه الجملة يمنعها الرقيب الى أن عادت الحياة النيابية بتاريخ 20/10/1992 أي بعد انقطاع دام خمس سنوات وأما الحل الثالث فهو الحل الدستوري "الأول" فكان بتاريخ 4/5/1999 علما أن مسؤولاً في الحكومة يصرح قبل الحل بيومين "لا استقالة ولا تعديل والاستجواب حق دستوري" فكان بيوم الحل استجواب مقدم الى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية وبعد انتهاء الاستجواب صدر المرسوم الأميري رقم 134 لسنة 1999 فكانت أسباب الحل هي بعض الممارسات السياسية التي تعسفت في استعمال الأدوات الدستورية ومن خلال قراءة متفحصة لجميع أسباب حل المجالس الثلاثة فإنها تدور حول أمرين الأول تعديل الدستور والثاني تعسف في استخدام السلطة، من هنا أود أن أذكر القارئ الكريم بأن السلطة عندما تريد حل مجلس الأمة لا تعلن ولا تفصح لأحد والذي سبق ذكره أمر وقع لثلاث مرات لحل المجلس مع تأكيد الحكومة لحق المجلس وممارسة دوره ولكن القول شيء والفعل شيء آخر، وإن افترضنا جدلا بأن السلطة التشريعية تعسفت في استخدام السلطة أليست السلطة التنفيذية هي أكثر تعسفا في استخدام حقها، فمثلا بعد حل مجلس الأمة بتاريخ 4/5/1999 أصدرت الحكومة 60 مرسوما يعني كل يوم مرسوم والمشرع الدستوري يقول يجوز في حالة الضرورة، أين حالة الضرورة للمراسيم التي أصدرتها الحكومة في غيبة المجلس، نعود ونقول إننا بين أمرين لا ثالث لهما الأول يجب التسليم بحق الشعب الكويتي من خلال ممارسة سلطاته والثاني أن الأمة هي مصدر السلطات جميعا وآخرها التسليم والإيمان بالديمقراطية قولا وفعلا ولا نريد ديمقراطية "ديكور" وإنما كما هو منصوص عليها بدستور 1962 ولو طبقت منذ ذلك التاريخ لتغير وجه الكويت الحضاري لكن العلة أن هناك أطرافاً لم تؤمن في يوم من الأيام بهذا الحق، والجدير بالذكر هو أنه عندما نسمع من يقول بأن الشارع يريد الحل ونحن لا نريد الحل، فإنني أقول أيضا الشارع يريد تغيير الدوائر الانتخابية وكذلك الشارع يريد أن تنال المرأة حقها السياسي ولكن الذي حدث في الجلسة الأخيرة لعبة مكشوفة فمنذ متى الحكومة تأخذ بما يريده الشارع حيث عودتنا الحكومة أن تفعل ما تريد وما ترغب وآخر شيء هو رأي الشارع، إن افترضنا أنه تم حل مجلس الأمة وجرت الانتخابات وعاد المجلس بعد 60 يوما فهل يأتي مجلس أفضل من هذا المجلس الذي أغلب أعضائه من ساندتهم الحكومة بالانتخابات السابقة؟! لا بد من التعايش بين المجلس والحكومة علما أن المادة 56 من الدستور عند وضعها كانت مثار جدل في لجنة إعداد الدستور الى أن تم التوصل الى الصيغة الحالية، ولماذا تشكل الحكومة بعد كل انتخابات حتى تنتظر ما تكشفه نتائج الانتخابات وتأتي بحكومة متجانسة لا حكومة استفزازية بطبيعتها·
من هنا ندعو إلى أن يتم تغيير المنهج وأن تؤمن السلطة بالديمقراطية فهذا أصبح مطلباً ليس شعبياً وإنما دولي وسوف يعمم بالمنطقة وما الولايات المتحدة ودعوتها المستمرة إلا تأكيد لهذا المنهج ونحن مع الأسف سبقنا الآخرين منذ ما يقارب 40 سنة ولكن لا نجيد قراءة الأحداث قراءة متفحصة ومتمعنة·
yalmubaraki@hotmail.com |