تكاثفت في الآونة الأخيرة على نحو غير مسبوق الاهتمامات بقضية المرأة البحرينية في عدد من المجالات المهمة كمجال مستقبل مشاركتها السياسية في الانتخابات النيابية في العام المقبل 2006 وكمسألة ضمان حقوقها كزوجة أو كمطلقة، والعمل على مساواتها بالرجل في فرص الحصول على العمل وفي مجال العمل نفسه بما في ذلك ضمان حقوقها كأم عاملة، وكالعمل على مناهضة العنف الذي يلحق بها ولا سيما في نطاق الأسرة وقد تتوج هذا الاهتمام تحديدا بالمؤتمر الأخير الذي عقد بالتعاون مع منظمة العفو الدولية في البحرين·
بيد أن قضية المرأة في بلادنا كما في سائر البلاد العربية هي أعقد وأعمق من مجرد عقد ندوات ومؤتمرات والخروج منها بتوصيات سرعان ما يعلوها الغبار أو بروز إعلامي، قضية المرأة باختصار شديد ترتبط ارتباطا وثيقا بقضية التغيير السياسي والاجتماعي الشامل، كما ترتبط بالوعي الاجتماعي السائد لجهة مدى الإيمان الحقيقي باستحقاقها هذه الحقوق قولا وفعلا، نظرية وممارسة، تشريعا وتنفيذا، ولا يمكن حل قضية المرأة بمعزل عن قضايا الرجل والمجتمع عامة فهي جزء لا يتجزأ منها وأي تصور بإمكانية كهذه ستعد ضربا من الأوهام، فالمجتمع الذي يكون فيه قطاع عريض من الرجال مضطهدين لا يمكن أن تكون فيه النساء حرات·
كما أن رفع الوعي المجتمعي بحقوق المرأة وتفعيل دورها لا يمكن أن يتم في ظل غياب أو تغييب هذا الوعي لدى الرجل وكمون دوره، والتاريخ السياسي القريب يبرهن لنا على متلازمة هذين النهوضين معا، ففي فترات المد النهضوي الوطني التحديثي الذي تم أساسا على أيدي الرجال المؤمنين بحقوق المرأة شهدت الحركة النسائية صعودا نسبيا، وحينما انحسر هذا المد لصالح تيار الإسلام السياسي الذي مازالت تطغى عليه الاتجاهات المتزمتة والمتطرفة تخلف دور المرأة وتراجع تراجعا حضاريا كارثيا على نحو ما نتابع فصوله المأساوية·
ومن دون التقليل من جهود النخبة النسوية إلا أنها تظل في النهاية نضالا نخبويا يغرد في سربه بعيدا عن السرب الأوسع المهمش المتضرر من الواقع المزري الجديد بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية·
وبناء على ما تقدم فإن أي مكاسب نسائية ملموسة أو نهوض نسائي جديد لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن إدراك الحقائق التالية:
أولا: إن وضع المرأة من حيث اضطهادها هو وضع تاريخي اجتماعي مديد لا يمكن إنهاؤه بين عشية وضحاها·
ثانيا: إن الأزمة ليست في التشريعات في حد ذاتها وإن ظل تغييرها مطلوبا، فالتشريعات انعكاس أمين لتطور الوعي الاجتماعي السائد، والمتخلف منها يعكس بالضبط مستوى هذا التطور كما يعكس ميزان القوى السياسي والاجتماعي السائد، وتحقيق مكاسب جزئية هنا أو مكاسب هناك لا يغير من هذه الوضعية·
ثالثا: لا يمكن لأي نهوض جديد للحركة النسائية أن يتم بعيدا عن نهوض الحركة السياسية بآفاقها التحديثية المستنيرة والتي تتطلب بدورها إصلاحا في ثلاثة مجالات رئيسية سياسية واقتصادية ودينية·
ولنتذكر أنه بسبب طغيان الوعي الديني المتزمت كيف أن الجمهرة الواسعة من النـــســاء مازالت ترفض حقوقها الكاملة من المنظور العصري الشامل لمواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان العصرية إما لاعتبارات مصلحية وإما بفعل تعبئتها مقدما بثقافة سياسية دينية متزمتة منافية لحقوقها الحضارية المعاصرة·
ويمكننا هنا في هذا الصدد أن نضرب ثلاثة أمثلة بهذه الظاهرة الشاذة المؤسفة:
1 - مظاهرة نسائية حاشدة ضد مشروع الأحوال الشخصية ومثلها انضمام جمهرة نسائية واسعة لعريضة ضد المشروع·
2 - خذلان عضوات في مجلس الشورى لزميلة لهن إثر إثارتها قضية تتعلق بحقوق المرأة العاملة (تمديد إجازة الأمومة)·
3 - الحضور النسوي الباهت في مؤتمر العفو الدولي الأخير الخاص بمناهضة العنف ضد المرأة·
رابعا: إن مجلس المرأة يعد مكسبا مهما من منجزات المشروع الإصلاحي لجلالة الملك خاصة أنه جاء في هذه المرحلة التي تشهد انحسار الحركة النسائية، بيد أننا نعتقد أن دوره سيكون أكثر فاعلية لو اقتدى بنهج سمو ولي العهد في كيفية معالجة الملف الاقتصادي بقراءة الواقع الاقتصادي كما هو، أي بالبدء دون خجل بعرض المشكلات والحقائق الموضوعية لأوضاع المرأة كما هي دون تزيين، وهذا لا يقلل بالطبع من إسهاماته المهمة والمنشودة لمعالجتها مهما كانت الأوضاع صعبة فلا مجلس المرأة ولا الدولة رغم دورهما المحوري المهم يستطيعان الاضطلاع وحدهما بقضية مجتمعية تاريخية كبرى معقدة كقضية المرأة·
خامسا: إن بذل الحركة السياسية والمدنية وبضمنها الحركة النسائية وبدعم من البرلمان للعمل على ضمان "كوتا" من الكراسي المنتخبة للمرأة في مجلس النواب أمر لا مناص منه في هذه المرحلة التاريخية وإلا تكرر تغييب تمثيلها في هذا المجلس تغييبا كاملا مرات ومرات بما يغدو معها إقرار حقوقها السياسية في الدستور الذي نتباهى به أمام الأمم أقرب الى الطرفة السياسية المضحكة! |