حين بدأت الحشود العسكرية من العام 2003 استعداداتها لإقصاء النظام الحاكم في العراق عن عرشه وسلطته، تفاوتت الآراء في ذلك الحين حول تبعات أي تغيير قد يحدث في العراق، بعضها أسرف في التحذير من خطورة استثارة المستنقع العراقي الراكد، وبعضها الآخر استبشر خيرا بأي محاولة لتحريك السكون العراقي الرابض في حضن حزب البعث بل وتنبأ بانعكاسات إيجابية ستنطلق من العراق ليطال مداها كل دول منطقة الشرق الأوسط·
لن ينكر إلا مكابر، أن حجم الفوضى وانعدام الأمن في العراق، آخذ في التقلص والتراجع، وأن انعتاق الشعب العراقي من قيود الظلم والاضطهاد قد تسلل وبصورة كبيرة الى نفس المواطن العربي من كل مكان، فها هو الشعب اللبناني يخرج في أكبر تظاهرة شعبية تطالب برفع التسلط والوصاية، وها هي تظاهرات "كفاية" تشق الشوارع المصرية، وها هم الفلسطينيون يسائلون السلطة في أهلية القياديين فيها، وها هي المملكة العربية السعودية تمارس أولى تجاربها الانتخابية·
كل تلك المظاهر الصحيحة الساعية الى توطين الوعي بالحقوق كما الواجبات في نفس المواطن العربي، تأتي كانعكاسات مباشرة لحرب التغيير المستعرة في الشارع العراقي·
لقد خرج العراق من أتون الديكتاتورية التي أخرست جميع حواسه، وباعدت بينه وبين الديمقراطية والحرية، ولتقف التجربة العراقية المريرة شاهدا على التكلفة الباهظة التي تتكبدها الشعوب جراء الاستسلام للسياسات القمعية، ولتلقن معها المواطن العربي درسا محفورا في الذاكرة العراقية المؤلمة·
نحن اليوم نقف على مشارف صحوة عربية، يشترط الدخول والمضي فيها مثابرة واستمرارا، أو كما جاء في الأدبيات العربية، بأن القدر ينحني ويستجيب، إذا ما أرادت الشعوب أن تحيا وتنهض·
إن اللبناني الذي خرج في شوارع بيروت غاضبا بعد مقتل "الحريري"، خرج ليقينه بأن هنالك وضعا خاطئا أصبح من واجبه تصحيحه، كذلك خرج المواطن المصري الرافض لتوريث الكراسي والزعامات وسيخرج غيرهم في المسرح السياسي العربي يدفعهم هاجس المعاناة والألم العراقي·
إن الصحوة العربية آخذة في التمدد منذ عاد العراق لاعبا نشطا في الساحة السياسية، ويبقى أمام الأنظمة السياسية العربية أن تمارس الحكمة في تعاملها مع هذه الصحوة وأن تدرك جيدا أن السير مع التيار والانحناء أمام العاصفة هو الأسلوب الأمثل لتفادي الكوارث، وأن الديمقراطية، والحريات بكل أشكالها، تشكل الضامن الوحيد نحو بناء قوي صامد، وأن عاصفة الصحوة التي اجتاحت المناخ السياسي العربي هي أقوى بكثير من أي محاولة قد تسعى لأن تغير مسارها·
suad.m@taleea.com |