بغض النظر عن السياسة الخارجية الأمريكية وعلاقتها مع إسرائيل، لكن انطلاقا من قاعدة (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) لا يسعنا أن نقول إلا أن أمريكا لم تصبح دولة عظمى من فراغ أو بسبب القوة العسكرية والاقتصادية فقط بل هناك حقوق إنسانية محترمة عندهم جعلتهم يصلون لما وصلوا إليه، واحترام حقوق الإنسان ليس فقط للأمريكيين بل حتى لمن هم خارج أمريكا من شعوب أخرى، حيث تناقلت وكالات الأنباء الحكم القضائي على الضابط الأمريكي تشارلز جرينر المتهم بإساءة معاملة السجناء العراقيين في سجن أبو غريب، وقال البعض إن جرينر، الذي حصل على حكم بالسجن 10 أعوام، يستحق عقوبة أشد على دوره في تلك الفضيحة، غير أن وزير حقوق الإنسان في العراق بختيار أمين قال لـ"بي بي سي" إنه "راض" بأن العدالة تأخذ مجراها بتقديم المتهمين الى القضاء، وأضاف "هؤلاء المجرمون ينالون الجزاء الصحيح، وأعتقد أن النظام القضائي الأمريكي نظام قوي، فقد حاكموا الرئيسين نيكسون وكلينتون، لم يحدث هذا في عالمنا العربي"، ولكن بالمقابل لو أردنا الحديث عن موقف الأنظمة العربية من الذين يمارسون انتهاكا لحقوق الإنسان في سجونهم نورد هذا النموذج من سيل من النماذج، فقد صدت الشرطة في البحرين مظاهرات ضد تعذيب السجناء حاولت بالقوة الوصول الى مقر مؤتمر لوزراء العدل العرب ينعقد في العاصمة المنامة، وقال شهود عيان إن نحو 500 من المتظاهرين طالبوا بإلغاء العفو عن مسؤولين كانوا قد عذبوا سجناء سياسيين أثناء اضطرابات سابقة، وحاول المتظاهرون الوصول الى فندق يعقد فيه المؤتمر ويشارك فيه شخصيات عالمية منها زوجة رئيس الوزراء البريطاني شيري بلير، وطالب المتظاهرون بإلغاء قانون سن عام 2002 يحول دون مطالبة الضحايا برفع قضايا ضد من أخضعوهم للتعذيب، وتقول جماعة من النشطاء تعرف باسم اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب إن نحو 3500 من السجناء تعرضوا للتعذيب في السجن لنشاطات قاموا بها ضد الحكومة في اضطرابات وقعت في الثمانينات والتسعينات·
فهذا هو الفرق بين أمريكا والأنظمة العربية، فالقضاء الأمريكي ينصف عراقيا مسجونا وينزل العقوبة بجندي القوة العظمى من باب تطبيق العدالة ولا تأخذه بالدفاع عن الإنسان لومة لائم لكي يعرف كل أمريكي مهما كان مركزه أنه ليس فوق القانون، وفي الدول العربية المعذبون من أبناء البلد يخرجون بمظاهرات مطالبين بالعدالة والقصاص من معذبيهم ولكن الأنظمة تدافع عن قادة التعذيب وأعوانهم الذين عذبوا شعوبهم البريئة التي ليس لها ذنب سوى مطالبتهم بالإصلاح والعدالة والحرية·
وكما أن المدافعين عن حقوق الإنسان بأمريكا لا يفرقون بين بني البشر بل يدافعون عن الجميع، فنتمنى من الذين طالبوا بالتحقيق حول موت عامر خليف العنزي بذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان ألا يكون طلبهم للتحقيق فقط لأن الميت ملتح أو من تيار معين، ولا أعلم لماذا لم نر التصعيد الإعلامي ذاته وطلب فتح تحقيق حول ما حدث لمراسل قناة "العربية" عادل عيدان والذي نشرت القناة بموقعها على الإنترنت أقواله وهو موجود وشاهد ويعرف أسماء الذي أساؤوا معاملته وقد تقدم بشكوى للجنة حقوق الإنسان بمجلس الأمة كما نشرت القناة، هل لأنه ليس ملتحيا وليس من تيار معين، بل لو سألت كثيرا من المهتمين بحقوق الإنسان لعرفت أن كثيرا من الوافدين تمارس معهم ممارسات غير إنسانية من مستخدميهم ولا تدفع رواتبهم، ولم نر تصعيدا من التيارات التي صعدت قضية موت عامر، نذكرهم بقول الله: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون"·
machaki@taleea.com |